أعوام الانتظار المخيفة

أعوام الانتظار المخيفة

23 ابريل 2019
+ الخط -
أكملت فنجان قهوتي الصغير، وكنت قد وعدت نفسي أن أخرج وألتقي بالحالمين والغاضبين وأضم صوتي لحناجرهم.. كان الجميع يصرخون في تلك الساحة المراقبة الكئيبة، ليسقط الفساد، ليسقط الاستبداد وأشياء كثيرة جميلة وموجعة.

الموت للخونة والانتهازيين الذين تلاعبوا بالأموال العامة ونهبوها وهربوها وراء البحر، في نفس الوقت نحن في أمس الحاجة لسرير في مستشفى أو لمقعد لتلميذ في قرية نائية ومنسية..

أمام هول الفساد واللامبالاة وغياب المحاسبة، تعاظمت النقمة وتضخمت أعداد المغتربين داخل الغيتوهات الممتلئة والموحشة، وازداد معها حجم المنبوذين والمضطهدين، والمحرومين من ثمار حركة الاقتصاد وبرامج السياسة.. ومن هول الأزمات والمحن التي مرت علينا أصبحنا نعيش في مجتمع منهك، مفكك، وبدون بوصلة أو أحلام أو مثل عليا.

ها قد وصلت القواعد الاجتماعية الشعبية وقطاعات واسعة من الطبقة إلى مرحلة الاكتئاب الشامل وقاع اليأس من جراء جمود العقل السياسي ومؤسسات الحكومة لغياب سياسة الحقيقة والإنصاف والعدالة والمساواة سواء بين المواطنين والمناطق المختلفة، سنوات بطيئة من الأكاذيب والمسرحيات والوعود المشينة.. يمكن أن نطلق عليها حقاً أعوام الانتظار المخيفة.

الأعوام المرتبطة بأوجاع المجتمع العميقة وأمراضه الاجتماعية وخيباته النفسية المروعة والفشل الاقتصادي، إنه ليس فقط عربون نهاية أو فشل "النموذج التنموي" الذي لم يكن يوماً نموذجاً ولا تنموياً، وهذه هي الحقيقة المفجعة التي يتفاداها نادي المتنفذين والأبناء المدللين للعهد الجديد من سياسيين حديثي النعمة والتكنوقراط الكبار المحظوظين وعرابي السلطة وأثرياء الصفقات المشبوهة وتجار الانتخابات المزورة الملغومة وتلاميذ الافتراس المالي والاقتصادي الذين وضعوا البلاد في لائحة الفشل والعار.

إنه دليل اندثار ونهاية أساطير الاستثناء والاستقرار والأمن والإجماع.. نعم هناك إجماع مفروض ومزور، يقتل حس الاختلاف ويحد من الآمال الشعبية ويجعل من السياسة لعبة مغلقة تمنح الثراء والمنافع وكل أشكال التواطؤ والامتيازات ورشوة مرتزقة النشاطات المدنية وبيادق التلاعب والتضليل الإعلامي ممن هم جاهزون للمتاجرة في كل شيء وهم في ذلك أشبه بالجنود المأجورين وعصابات الليل التي لا تعرف الإيمان أو الرحمة.

دلالات

5F69AA17-CB49-48E9-916C-D80C5B605D10
بن أموينة عبد اللطيف

شاعر وناقد إعلامي مغربي ومحرر مقالات رأي، حاصل على ماستر علم النفس وشهادة مهنية في الصحافة، صدر له كتاب "لا مكان لا وطن" وهناك كتابان قيد الطبع.يقول: أنا لا أكتب بالقلم بل بدمي ووجوديتي الشاسعة الجريحة.

مدونات أخرى