باطل... باطلة!

باطل... باطلة!

22 ابريل 2019
+ الخط -
مشهد أول.. دعوة حماسية أطلقها أحد الاعلاميين عبر شاشة قناة يمتلكها أحد زعماء اصطفاف المعارضة المصرية بالخارج، مضمونها أن يعترض العامة في مصر "بالصفافير أو قرع الأواني" إعلاناً عن رفضهم سياسات رئيسهم..

مشهد ثان.. تتحد قناتان محسوبتان على معسكر الشرعية لدعم الحملة وتعيد إلى مستشار علمي لرئيس صوري منقلب نجوميته وبريقه، ثم يتوالى الدعم من محطات وشبكات إعلامية أخرى..

مشهد ثالث.. يقيم الزعيم المصطف مؤتمراً قال أنه يريد به جمع كل أطياف المعارضة تحت قبته دون التنسيق مع أثقل فريق ثوري وهو الإخوان، بالإضافة إلى أن توجهات المؤتمر جعلت من انضمام أي من عناصر تيار الشرعية يعد خروجاً على مبادئه، وبالتالي كان إقصاءً غير مباشر لا يستطيع أحد أن يثبته، وخاصة بعد حضور بعض الرموز المحسوبة على الإسلاميين وعلى الإخوان..

مشهد رابع.. يصرح أحد الضيوف أن مجموعة من الشباب طلبوا منه أن يعلن في هذا المؤتمر أنهم سيتحركون لأنهم ملوا من فشل قيادات الخارج، يتصادف أن هذا الفكر يطابق منطلقات جماعة الاصطفاف!.

مشهد خامس.. كلمة للزعيم المصطف في ذكرى ثورة 1919 يدشن فيها قناة رافضة للتعديلات الدستورية..


مشهد سادس.. يعلن نجما سينما رفضهما الصارخ للتعديلات من داخل الكونغرس الأميركي، دون أن ينسيا التذكير بأنهما قد انقلبا على الرئيس الشرعي، وأنهما يدعمان فصل الدين عن الدولة..

مشهد سابع.. تطل حملة باطل بنفس عبارات جماعة تمرد ونفس وجوه من رفضوا تعديلات مارس/ آذار 2011، لتطالب برفض تعديلات دستور 2014..

مشهد ثامن.. يظهر أحد نواب برلمان الانقلاب عن كتلة 25/30 ليرفض التعديلات نفسها، ويدعو الناس للتصويت بلا.

عندما سئل أهل الاصطفاف عن سر الاكتفاء بالاعتراض على التعديلات الدستورية، قالوا أنها مباراة لجمع النقاط! وأنها حجر في ماء راكد من أجل المعتقلين! يعترفون بحجرهم ويضخمون من حجم دوائر وهمية يصنعها، بينما ينكرون أحجاراً غرسها من سبقوهم بدمائهم مهدوا بها طريقاً إلى البحيرة!

يستثمرون آهات معتقلين يعلم الجميع أن غالبيتهم من الإخوان، فهل يعقل أنهم سيسمحون بخروجهم وهم من يشهرون بهم إلى اليوم كمجرمين وإقصائيين وفاشيين ومفرخين لإرهاب مصطنع، ينكرونه على فرعون صنعوه وبشروا به، بينما يلصقونه بمن رفعوا شعار السلمية وألزموهم به في ميدان التحرير؛ أم أنهم حينها سيقولون لندع القانون يأخذ مجراه، ولا تعليق على أحكام القضاء؟!

أتفق معهم في تشبيه ما يقومون به بمباراة لجمع نقاط، فبعد ثورة يناير، حاولت نخبة 25/30 التصدر لوضع دستور مصر في حالة من الفوضى، فلما فشلت لجأت لاتهام الإخوان بالتآمر مع العسكر لإنتاج تعديلات دستورية لا تسمح لهم بتمثيل كبير في البرلمان المنتظر! وكأن ستين عاماً مضت لم تكفهم لإنتاج كوادر وللالتحام بالشعب قبل أن يقدموا على الحراك الذي كان أيضاً جمعاً للنقاط، فلم تذكر في شعاراته الأولى كلمة ثورة إطلاقاً.

عندما خسرت النخبة معركة الدستور، اتخذت القرار بأن تعيد الكرة لملعب الجيش الذي ثارت عليه، فطالبته رموزها بالبقاء في السلطة لسنوات حتى يتجهزوا للانتخابات، وأذكر أن من فاز منهم في الانتخابات البرلمانية كان يخجل أن يُنادى باسم "النائب"، ثم رفضوا تقديم مرشح منهم لرئاسة الجمهورية، ثم ساوموا مرشح الإخوان ليوقع لهم وثيقة فوق دستورية ورفض، ثم امتنعوا عن التصويت لمرشح الثورة إلا قليل من عاصري الليمون، ثم سعوا جاهدين حتى تم حل البرلمان، ثم حل اللجنة التأسيسية الأولى للدستور، ثم رفضوا مناصب حساسة في الدولة كنواب لرئيس الجمهورية أو رئاسة مجلس الوزراء أو كوزراء أو كمحافظين، رفضوا حتى تنفيذ مطالب ثورية كإقالة النائب العام وثاروا على إعلان دستوري يتيم حاول الرئيس أن يحمي به ما بقي من اختيارات الشعب، وفي النهاية، رفضوا حضور جلسات التوافق الوطني وأقاموا مؤتمرات لبحث مرحلة ما بعد مرسي واستدعوا العسكر.. وكان الانقلاب.

واستكمالاً لمعركة النقاط، أفرزت نخبة 25/30 مدخلاً فكرياً جديداً تحت مسمى الاصطفاف، يستكمل مسلسل تشويه قيادات مؤيدي الشرعية وفي القلب منهم جماعة الإخوان، ويكرر ذات الاتهامات التي استخدمتها النخبة من قبل لإسقاط أول رئيس شرعي، وكأنهم يريدون أن يقضوا على ما بقي له من تأييد حتى بعد الخلاص منه ويمحوا كل أثر لمن يذكرون بتاريخ انقلابهم عليه..

قدم فريق الاصطفاف المبادرة تلو الأخرى، ليطالب الجميع بالعودة لمبادئ يناير عبر خطة عمادها عودة الإخوان للعمل الدعوي وتركهم المجال السياسي، دعا هذا الفريق عموم نخبة يناير التي أبدت ترفعاً مع رفض بات للتواجد مع الإخوان في مكان واحد، واجه مؤيدو الشرعية المبادرات الأولى بصلابة وعزم، لكنهم استسلموا في النهاية لحملات طرق الأواني وإطلاق الصفافير.

إن ما تقدمه حملة باطل اليوم، هو ما قدمته مبادرات المصطفين بالأمس، هي عملية التفاف للخروج من معادلة صفرية بين العسكر ومن انقلبوا معهم من جهة، وبين الإخوان ومؤيدي الشرعية من جهة أخرى؛ هذا التحايل تمثل في جمعهم عنوة حول رفض التعديلات الدستورية، متغاضين عن خطوط عريضة يفترض أن يُتوافق عليها قبل الإقدام على أي خطوة، ومتجاهلين جراحات لا بد لها من تطهير أولي، ليفيق الجميع من دولجية وعلمانية وإسلامية وليبرالية واشتراكية وغير ذلك ليجدوا أنفسهم في ميدان واحد، دون رأس للمرة الثانية، ليزيحوا ممثلاً للنظام، ولكن هذه المرة بشكل آمن عبر انتقال سلمي للسلطة بصناديق انتخابات تضغط من أجلها دول لها مصالح؛ ففكرة الثورة أصبحت مرعبة بالنسبة لتلك النخب، لأنها قد تعيد شبح الإخوان للحكم وهذا ما لا يرجون.
7048540C-B765-4399-A999-CB7869F215E2
رانيا مصطفى
باحثة مهتمة بالتاريخ والسياسة والأدب والعلوم الإنسانية. تقول: كل فكرة فى مقال ماهى إلا رسالة فى زجاجة ملقاة فى بحر تتقاذفها أمواج الأيام حتى تصل إلى من يهمه الأمر