التزوير أنقذ الشاب مالك من الموت

التزوير أنقذ الشاب مالك من الموت

19 ابريل 2019
+ الخط -
تَمَكَّنَ صديقنا الأستاذ كمال من إدخالنا في لعبته الحكائية، منطلقاً من فكرته القائلة بأن الحكاية لها ميزتان رئيسيتان: تُمْتِعُنَا من جهة، وتأخذنا إلى الفكرة المطلوبة من جهة أخرى. في جلسة "الإمتاع والمؤانسة" التي عُقدت في منزل "أبو جهاد"، وبعد أن تناولنا الطعام، حكى لنا عن شاب اسمه "مالك" أراد أن يتصرف كما لو أنه يعيش في دولة أوروبية، فذهب إلى مركز الاستفتاء وأخذ الورقة التي كُتب عليها (ما رأيك بترشيح الرفيق حافظ الأسد لرئاسة الجمهورية العربية السورية؟) وعليها دائرة خضراء فيها كلمة نعم، ودائرة سوداء عليها كلمة لا. دخوله إلى الغرفة السرية جعل عناصر من الأمن العسكري يعتقدون أنه سيقول (لا).. 

وأضاف كمال أن الشيء الوحيد الذي أنقذ مالك من براثن المخابرات هو أن نتيجة الفرز في ذلك المركز الانتخابي أسفرت عن أن 100% من الناخبين قالوا (نعم) لحافييظ، ولو أنهم عثروا على ورقة واحدة كُتبت عليها كلمة (لا) لسجنوه مدة طويلة، وربما أماتوه تحت التعذيب. 

لاحظ كمال انسجامَنا مع حكايته، فقال: لدي فكرة أخرى قد تعجبكم، وهي أن الحكاية نفسها تختلف في تفاصيلها ومستواها الفني باختلاف راويها.

قال العم أبو محمد: ما فهمت. شلون يعني بتختلف؟

قال كمال: يا عمي أبو محمد، مجلسنا هادا فيه أنا كاتب، وصديقنا أبو مرداس كاتب، والحكاية اللي حكيتها لكم، نفسها، لو حكاها أبو مرداس بتلاقوها غير شكل.

قال أبو جهاد باستخفاف: أشو هالحكي يا أستاذ كمال؟ أي كلها على بعضها حكاية زغيرة، ومستحيل حدا يحكيها غير متلما حكيتها إنته.

قال كمال: أنا بعتقد أن أبو مرداس بيحسن يحكيها بطريقة تانية.

قلت: أنا بشوف أنو طريقة كمال في سرد الحكاية كانت ممتازة لأبعد الحدود. والقفلة تبع الحكاية كمان ممتازة. لاكن كمال بالفعل ما بيعرف شي عن الأحداث اللي صارت بعدما طلع الشاب "مالك" من فرع الأمن العسكري.

دهش كمال وقال: عم تحكي جد إنو في أحداثْ صارتْ؟ أشو هيي بالله؟

قلت: لما رجع مالك ع البيت، كان جسمو مكسر تكسير من الضرب اللي تعرضلو في الأمن العسكري، ونفسيتو محطمة من كتر الإهانات اللي تلقاها، وكان أكتر شي يضايقو إنو العناصر سبوه على والدتو، وهوي كتير بيحب والدتو، وكل يوم الصبح قبل ما يروح ع الشغل بيبوس يدها وبيطلب منها الرضى. لاكن الآلام الجسدية والنفسية اللي تعرض لها ما بتساوي شي قدام الخوف اللي سيطر عليه، لأنه هوي في الحقيقة صَوَّتْ بـ(لا)! ولما حلف لرئيس الفرع إنو صَوَّتْ بـ(نعم) كان عم يكذب، وهادا الشي خلق عندو فضول ليعرف أيش صار بالضبط، وشلون طلعت نسبة التصويت في المركز 100% بـ نعم؟

قال العم أبو محمد: عن جَد شي بيمَخْوِلْ. طيب أيش اللي صار؟

قلت: متلما بتعرفوا، كل صندوق استفتاء كانوا يقعدوا عليه تنين، رئيس المركز وأمين السر وبعض العناصر الإداريين. ولما بتخلص عملية الاستفتاء، بيقفلوا باب المركز، وبيقعدوا ليستريحوا، ويتناولوا الطعام، ويشربوا شاي. واللي صار يومها أنو في هاي الفترة وقفت سيارة تابعة لفرع أمن الدولة عند الباب، ونزل منها مجموعة من العناصر، أمروا الحارس أنو يفتح لهم، ودخلوا لجوة، وسألوا: مين رئيس المركز؟ 

ترك رئيس المركز الطعام وقال لهم: أهلين رفاق. أنا رئيس المركز. 

قالوا له: تعال نحكي مع بعضنا كلمتين على جنب. 

قال: على راسي. 

ودخل معهم عَ الغرفة اللي فيها الصناديق. طالع رئيس الدورية هويتو وفرجاه عليها ليثبتلو أنهم من الأمن، وقال له: أنت بتعرف يا رفيق أن سورية عَمْ تتعرضْ لمؤامرة خارجية وداخلية كبيرة، والمتآمرين كلياتهم بيعرفوا أنو نقطة القوة في صمود الجمهورية العربية السورية هي التفاف الشعب حول القيادة التاريخية للسيد الرئيس حافظ الأسد، ولذلك الكل عم يشتغل لضربْ هالْلُحْمة الوطنية الكبيرة. 

قال رئيس المركز: كلام صحيح 100%. أيش المطلوب؟

قال رئيس الدورية: الكلمة اللي قلتها حضرتك هيي المطلوبة. (100%). فهمت؟

قال: فهمت. 

وبعد الغدا، قعد رئيس المركز وأمين السر عَ الصندوق، وصاروا يشيلوا الورقات القلال اللي مكتوبة عليهم كلمة (لا)، ويحطوا محلن ورقات مكتوب عليها (نعم). وكان هادا الشي لمصلحة الشاب "مالك"، اللي نجا من كارثة أمنية كبيرة بهذه الأعجوبة!       

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...