زوجة نكدية محفزة

زوجة نكدية محفزة

17 ابريل 2019
+ الخط -
كيميائي يعمل في "بروكتر آند جامبل"، وقع في مشاكل متكررة مع زوجته لشراهته في التدخين، وفي بعض الأيام كان يعمل على مادة تُسمّى هيدروكسي بروبايل بيتا سيكلوديكسترين HPBCD ثم عاد للمنزل، وهو يتوقع أن تمطره زوجته بوابل من المنغصات والسفاسف!

استقبلته باسمة وقالت: يبدو أنك أقلعت عن التدخين! وظن أنها تتهكم وتستعد لحرب كلامية حامية الوطيس؛ فأراد أن يلجمها من البداية وقال مستغربًا: لم أفكر في الإقلاع عن التدخين من الأساس! هزت رأسها ونظرت له نظرة التبكيت ثم خرجت.

صباح اليوم التالي، تفكر في كلامها، ثم عاود العمل، واكتشف أن المركب الكيميائي الجديد يزيل الروائح الكريهة من الملابس على اختلاف أنواع تلك الروائح. سرعان ما ركزت شركة "بروكتر آند جامبل" على اقتناص الفرصة، واستثمرت ملاحظة زوجة الكيميائي، وروَّجت لمنتج يقضي على الروائح الكريهة، تحت الاسم التجاري "فيبريز". بعد مدة، لم يحقق المنتج نجاحًا يُذكر، وبعد دراسة مستفيضة وبحوث استقصائية أدرك المسؤولون السبب؛ إنه التوصيف الخطأ لاستعمال المنتج!


وزعوا عينات مجانية على شريحة من العملاء، وراقبوا تصرفاتهم عند استعماله؛ فكأنما ألقى العملاء -دون قصد- بطوق النجاة للمنتج، وأنقذوا سمعة القائمين عليه، وجاء ذلك عبر ملاحظة أن السيدات يشعرن بالسعادة والاسترخاء فور الضغط على فوهة العبوة، وكأن الرذاذ ينعش ويبعث على السعادة!

هنا، قفز الباحثون في الهواء وهم يشاهدون مقاطع الفيديو، وقرروا تغيير وصف المنتج من تركيبة تغطي الروائح الكريهة إلى تركيبة منعشة ومعطرة للجو! عرفت الأسواق منتج فيبريز (معطر الجو) في مارس 1996، ومن يومها تغيرت أشياء كثيرة ذات صلة؛ فعلى سبيل الذكر عرفنا موزِّع معطر الهواء (Dispenser)، وظهرت أنواع مختلفة من معطر الجو منها الرذاذ/ البخاخ، الزيت العطري، الهُلام (الچل)، المعطر الصلب وغيرها. وانتقل دور المادة التي اختيرت أولًا لتغطية أو معادلة الروائح الكريهة، إلى مجال أرحب وفضاء أوسع وأرباح أكبر.

كيميائيًا؛ فإن نوعين من المواد الكيميائية ذات الصلة: مواد تعمل على تغطية الروائح الكريهة وتدعى عوامل التغطية (Masking Agent)، ومن ثمَّ فإن الرائحة الكريهة تبقى موجودة، لكن قوة المادة الكيميائية تطغى عليها. يعد مطهر الصنوبر واحدًا من هذه الفئة، ولا يدخل في إطار المطهرات المؤثرة أو القوية، ولذلك لا يستخدم في تطهير المستشفيات والمراكز الطبية، ويقتصر دوره على تغطية الروائح الكريهة. قديمًا كان يستعمل الصنوبر في التطهير، لكن دوره تراجع مع اكتساب البكتريا -لاسيما البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية- مقاومة قوية ضد الصنوبر.

الفئة الأخرى (Neutralizer) تعادل الروائح الكريهة من خلال تفاعل كيميائي معها، وعليه فلا تبقى المادة الكريهة على حالها، بل ينتج من تفاعلها مادة أخرى مختلفة تمامًا وعديمة الرائحة.

في عالمنا العربي، استغنى كثيرون عن البخور، وإن حافظت دول الخليج على مباخر العود، ودخلت عالم معطرات الجو، وانتقلت العدوى من البيوت إلى الشركات والمؤسسات وبعض الهيئات الحكومية، ولم تعد ثقافة المعطرات حكرًا على معطر الجو؛ فامتدت إلى معطر السجاد والموكيت، ومعطر السيارة، ومعطر الأثاث والقائمة تطول، وكانت البداية مشاكسة زوجة لزوجها تخشى على صحته، وتتأفف من رائحة ملابسه الملبدة بدخان السجائر، وانتهت بثروة طائلة بعد اكتشاف الزوج المدخن لمعطر الجو.

في سياق متصل؛ فإن الاكتشافات التي تتحفنا بها الصدف لا نهاية لها، ولعلك تذكر كيف حصد ألكسندر فليمنج ثروة ثمينة بعدما خلعت عليه الصدفة اكتشاف البنسلين؛ ليظهر أول مضاد حيوي على الساحة. كذلك فإن اكتشاف المينوكسيديل جاء عبر صدفة محضة، وبعدما كان مقررًا أن يستخدم في علاج قروح الكلاب؛ فإذا به يتخذ مسارًا مغايرًا تمامًا ويدخل عالم الأدوية الموضعية، ويسهم بشكل ملحوظ في التخفيف من تساقط الشعر الوراثي للرجال بتركيز 5% وللنساء بتركيز 2.5%.

دلالات