عرفت فالزم

عرفت فالزم

16 ابريل 2019
+ الخط -
أزف إليك النبأ السار، ليس كل ما يقوله الخبراء صحيحًا، فإن تصالحت مع هذه الحقيقة اكتسبت قدرًا معقولًا من الثقة بنفسك وقدراتك، وواصلت طريقك دون تلكؤ أو تردد..

في رمضان الماضي، حضرت ورشة عمل للأستاذة خديجة بن قنة، وخلالها ذكرت قصة فتاة لم ترها مناسبة للعمل التلفزيوني. بعد مدة قصيرة، أرسلت الفتاة مقطع فيديو لخديجة على واتساب، وطلبت منها أن تقيِّم الأداء مرة أخرى. كان المقطع للفتاة ضمن برنامج صباحي في قناة عربية، وكان الأداء مناسبًا جدًا لطبيعة البرنامج، باختصار حصلت الفتاة على فرصة للعمل مقدمة تلفزيونية..

في تعليقها على القصة تقول خديجة: "لقد رأيتها في قالب الأخبار، كانت لغتها الفصحى ضعيفة، وقدرتها على التعامل مع القالب الإخباري محدودة، لكن ظهورها في برنامج صباحي لم يتطلب سلامة اللغة، بل إنها تتحدث باللهجة المحلية، وليست بحاجة للالتزام بمعايير الأخبار؛ فكنت أرى جانبًا محددًا ومن خلاله نصحتها، وكانت مثابرة ووجدت المكان الذي يناسب طريقتها".


ينظر الخبراء للأمر بطريقة ما، طريقة لا محاباة فيها - في الغالب - ولا عشوائية، لكن هؤلاء الخبراء بشر على كل حال، وليسوا منزهين عن الخطأ أو سوء التقدير، والتزامك - ولو - بهامش من المثابرة يؤهلك لتحقيق طموحاتك بغض الطرف عن أقوال الخبراء.

ولعلك تذكر - في السياق ذاته - قصة كلود هوبكنز مع معجون الأسنان! إنها قصة تؤكد لك هفوات الخبراء، وتحفزك على مطاردة هدفك، وألا تجعل من نفسك مجرد أذن كبيرة تمشي بها رجلان، بل فتِّش عن حلمك ولا تيأس.

مطلع القرن الماضي، كان هوبكنز واحدًا من أباطرة عالم التسويق، أقنع العملاء بشراء منتجات عديدة، واعتنق مذهبه في التسويق الباعة والساسة والإعلاميون وغيرهم. في بعض الأيام، طلب إليه صديق قديم أن يساعده في تسويق معجون أسنان "بيبسودينت"، فرفض تبني الفكرة ولم يلتفت إلى تصريحات الأطباء عن خطورة تسوس الأسنان، ولم يلقِ بالًا للمشروع برمته.

كان بوسع الصديق أن يجر أذيال الخيبة، وأن يبحث عن فكرة أخرى يسيل لها لعاب هوبكنز أو غيره من أباطرة التسويق، لكنه قرر أن يخوض المعركة الصعبة، وأن يتبنى الفكرة وحده. اتخذ من حماسته وقودًا للانطلاق، وصب جل رغبته على مراده، ولمس هوبكنز في صديقه إصرارًا على إنجاح الحملة التسويقية؛ فانتقلت إليه عدوى الحماسة، وعدل عن رأيه الأول؛ فدخلا منعطفًا جديدًا في تاريخ الدعاية والتسويق لمعجون الأسنان.

بعد خمس سنوات، أصبح معجون أسنان "بيبسودنت" واحدًا من أشهر المنتجات في أميركا! وبعد عشر سنوات أضحى سكان الكرة الأرضية يعرفون المنتج، وتوسعت دائرته بعدما قوبل بالرفض.

كانت ثقة الرجل وحماسته بذرة هذا النجاح، لو أنه أطلق ساقيه للريح ما ساعده هوبكنز، وما حقق ما كان يصبو إليه؛ إنها قوة الإصرار والحماسة على تحقيق إنجاز غير مسبوق، ليست هناك ضمانة أكيدة لتحقيق الأماني، لكن الصدق مع النفس والرغبة في النجاح معجونة بالحماسة والمثابرة تغير الحسابات وتصنع النجاحات.

تنشئة العادة الجديدة وترسيخها رهن الرغبة، الرغبة تعزز الإصرار على المحاولة تلو المحاولة، وتخلق نوعًا من الاستعداد غير المسبوق لبلوغ الهدف وإشباع تلك الرغبة. كلما كانت الرغبة صادقة، هان على الإنسان أن يضحي بوقته ومجهوده وصحته، ولولا الرغبة الصادقة ما عرفنا مايكل فليبس ولا ليونيل ميسي. قادت الرغبة وبذراعٍ واحد الفتاة، بيثاني هاميلتون، لممارسة هوايتها المفضلة، ولم تقلع عن التزلج على الجليد بعدما هاجمتها سمكة قرش والتهمت ذراعها الأيسر.

أنت تدرك أن الطريق طويل والدرب شائك، لكن من صدق الله صدقه، ومن أخلص لهدفه بلغه، ومن أراد الخلاص فعليه بالإخلاص؛ فلتكن مخلصًا لهدفك وتبذل في سبيله كل طاقتك وتستفرغ فيه مجهودك، وعندها ستتخلص من الإحباط والكسل والتردد، وستصل إلى حديقة النجاح بعد المرور – دون الإطالة - على محطاتٍ متتابعة من الألم والمرارة والمعاناة، وقد عرفت فالزم!