من غدامس إلى غدامس... البعثة الأممية تسييس بطعم الاستغفال

من غدامس إلى غدامس... البعثة الأممية تسييس بطعم الاستغفال

31 مارس 2019
+ الخط -
على خطى المؤتمر الوطني الشامل في اليمن، تعود ليبيا إلى نقطة الصفر بالمؤتمر الوطني الجامع. كل الحلول التي تقدمت بها البعثة الأممية في ليبيا، خاصة بعد الحرب الأهلية في عام 2014 والانقسام السياسي، لم تكن إلا لزيادة الانقسام وجذوة حرب جديدة، بل هي شكل من أشكال الحرب المعنوية والنفسية، ففي كل المراحل كانت تتعمد السرية في إخفاء الكثير من المعلومات والاتفاقات بين الأطراف السياسية، والتي يُعلن عنها وكأنها بمثابة صفقة تجارية مليئة بتقاسم المناصب للمشاركين فيها، من دون إحداث أي سلم على أرض الواقع.

وإذا عدنا بالذاكرة إلى مسارات جلسات الحوار الوطني، نجدها بدأت مع دعوة المبعوث الأممي، برناردينو ليون، إلى الاجتماع على مائدة الحوار ومعالجة أزمة البلاد بعيدا عن لغة السلاح والقوة، وتمكّن من إقناع النواب المقاطعين مع عدد من أعضاء المؤتمر الوطني والنواب المشاركين في البرلمان بتكوين لجان 12 + 12 لحضور جلسة غدامس التي انتهت بفشل ولم تُحرز أي تقدم سوى بعض الكلمات عن أهمية الحوار عن السلم المجتمعي.

حاول الضغط على الأطراف بالقبول في الجلسة الثانية التي حضرها الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، بان كي مون، في طرابلس، برفقة فيديريكا موغيريني، إضافة إلى مبعوثي فرنسا وبريطانيا ومالطا وإيطاليا من دون جدوى، رغم التهديدات المبطنة التي حملتها تصريحات بان كي مون بأن المجتمع الدولي لن يقف ساكتا أمام السلاح الذي يفتك بالمدنيين وأعداد النازحين الكبيرة.


وبعد قرار المحكمة الدستورية العليا ببطلان مقترحات لجنة فبراير، في 14 يناير/كانون الثاني 2015، ظهر بعدها وجه جلي واضح للبعثة الأممية حيث تدخلت في الحكم، وحاولت تتفيه القضاء، بقول المبعوث الأممي إن المشكل في ليبيا سياسي وليس قانونيا، كأن السياسة والقانون منفصلان تماما.

كانت توضع قوائم للمشاركين لا يعلم أحد عنها شيئا، فهي تتم في الخفاء، توهب بعدها مزايا للموقّعين على الاتفاقيات، ويُصدم الموكلون بالتوقيع بعدها بإزاحتهم بشكل غير مفهوم من دون مبرر ومن دون معرفة قانونية وشرعية ما يحدث في الخفاء.

وصل بالجلسات إلى المسودة الرابعة المعدلة بجلسات تنقلت من غدامس إلى جنيف، الجزائر، بروكسل، حتى الصخيرات في المغرب، وانتهت مهمته بفضيحة قبول منصب مدير عام الأكاديمية الدبلوماسية لدى الإمارات، التي تعتبر طرفا مشاركا في الحرب بدعمها خليفة حفتر.

عيّن الأمين العام بعدها مباشرة الألماني مارتن كوبلر الذي كان أوضح من سابقه، وتوجه مباشرة إلى الرجمة لمقابلة خليفة حفتر، وكان يتحدث في هذه المرة عن ضرورة وقف إطلاق النار، وإخراج العائلات المحتجزة في قنفودة نتيجة الصراع الدائر. وتمت مراسلة مجلس شورى الثوار في بنغازي، وبعدها بشهر واحد تم توقيع اتفاق الصخيرات في المغرب الذي تسميه الأطراف المعنية بالحوار "خيانة".

لكن كوبلر كان كمن يتصيّد الخرفان بتفريقها وإغراقها تارة بالتهديد وتارة بأن تكون الأفضل، متبعا تعزيز الجهوية في المنطقة الغربية. ورغم القبلية في المنطقة الشرقية إلا أنه كان لديها طرف واضح في الحوار، ولربما اختصرت المناقشات بين مصراته ورئيس البرلمان عقيلة صالح على القبول والرفض للمخرجات.

كل الأمل الكاذب الذي منح أمام الشاشات عن ميلاد جديد لليبيا بعد توقيع هذا الاتفاق لم يفعّل من بنوده إلا دخول المجلس الرئاسي إلى طرابلس عن طريق البحر، في 30 مارس/آذار 2016، ولم توقف الحرب ولم ينزع السلاح، وبدأت مرحلة جديدة من حرب داخلية لتصفية بقية الخصوم، وبيانات رئيس المجلس التي حوت أغلبها الضرب بيد من حديد لكل مخالف له.

والخلافات زادت حدتها بعد توقيع الاتفاق بدلا من تقديم حلول، لكن الواضح للعيان أن الغرض من كل هذه الجلسات كان فقط إزاحة المؤتمر الوطني من المشهد نهائيا والتشكيلات المسلحة التابعة له، خاصة في مدينتي بنغازي ودرنة والعاصمة طرابلس، مع بقاء الانقسام السياسي على ما هو عليه.

انتهت عند هذه النقطة مهمة كوبلر في ليبيا، ليتم تعيين غسان سلامة بديلا له في شهر يونيو/حزيران 2017، والذي جمع بين حفتر والسراج عدة مرات في باريس بفرنسا وباليرمو في إيطاليا وآخرها الإمارات، ونجح في جمع القادة العسكريين في القاهرة، وفي كل مرة كان يلوّح بالانتقال للخطة (ب) لأن الأطراف السياسية تعرقل التقدم وتوحيد مؤسسات الدولة، وأعلن عن حلول اقتصادية حتى اعتقد الكثيرون أنه هو الحاكم الفعلي لليبيا.

وأصبح لا حديث له إلا عن فشل الاتفاق السياسي الذي رعاه أساساً المبعوثون السابقون بعقده وإتمامه، وهو اليوم يقر بفشله.

وتعود إلى الواجهة كلمة الوفاق الوطني، ولكن هذه المرة عن طريق المؤتمر الجامع الذي تقوده ستيفاني ويليامز، نائبة الممثل الخاص، القادرة على إيقاف الحرب في أي وقت، كما فعلت في الحرب الأخيرة بين "اللواء السابع" و"كتائب طرابلس"، والتي تتنقل بين المدن الليبية، آخرها زليتن ومصراته، لمناقشة خطة الأمم المتحدة، حيث أكدت أن البعثة حريصة على أن ينجح الملتقى الوطني الذي يمثل فرصة فريدة لليبيين لرفع أصواتهم من أجل التوافق على إطار زمني لإنجاز الاستحقاقات الوطنية، منها الانتخابات، وإنهاء المراحل الانتقالية.

كلام مناقض لما جاء في مؤتمر باريس الذي قاده غسان سلامة نفسه، الذي حاول تمرير الاتفاق من دون الحديث عن الدستور، وكأن مغزى كل هذه الزوبعة هو تأكيد الاعتراف بحفتر فقط.

لكن مع ذلك، لا يمكن إلقاء اللوم على البعثة الأممية فقط، فأبناء البلد من النخبة هم المنفّذ الحقيقي لهذه الخطط، نتيجة الصراع المناطقي الجهوي من جهة، ونتيجة استغلال مفهوم محاربة الإرهاب للمنتفعين من الحرب.
وستبقى ليبيا تتنقل بين المراحل الانتقالية طالما أنه ليست هناك إرادة داخلية لتوحيد الصف، وطالما أن الإعلام الممول فيها خارجياً مجند لخدمة مشاريع دولية إلا مشروع الوطن.
E173E2D6-088A-420F-A4E3-18916B6AA90B
ميس الريم القطراني

مقدمة أخبار وبرامج تلفزيونية.. بدأت بالعمل الإذاعي منذ عام 2009، ومن ثم انتقلت إلى العمل التلفزيوني في 2010 حتى الآن. حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال وحصلت على عدة دورات تدريبية في مجال الإذاعة والتلفزيون وأخرى في التنمية البشرية.

مدونات أخرى