عن تخاريف الكاتب والحياة بنت الموت ومختارات أخرى

عن تخاريف الكاتب والحياة بنت الموت ومختارات أخرى

31 مارس 2019
+ الخط -
ـ "بالرغم من الفراغ والإفلاس، بالرغم من عناد الأشياء وتحدياتها، بالرغم من الخسران والأحزان، وإذن فلأستمسك بالنشوة كتعويذة سحر، ولتكن قوتها في سرها الغامض، هاهي الحيوية تدب ناشرة شذاها الظافر، وفي الحال مضيت نحو المحطة، وهي هدف غير قريب، ومع تتابع الخطوات تدفقت الحيوية خلابة واعدة، كما تُبشّر السحابة الثرية بالمطر، ما هو إلا وعد وشعور وطرب، عدا ذلك فإنني مفلس ومطارَد وذو حزن، وعندما تراميت بعيداً تذكرت الرسالة ولكن أدركت أيضاً أن قد فات أوان استردادها، قلت لنفسي لا يهم، وما يهم في هذه اللحظة إلا الإمعان في السير، ليكن من شأنها ما يكون، ولتكن العاقبة ما تكون، ذروة النشوة تتألق على جسد عرّاه الإفلاس والجفاف، ولكن تنطلق إرادته بالبهجة المتحدية".
 
 
                                               من رواية (أفراح القبة) لنجيب محفوظ 

ـ "لكي تشعر بالألفة في مدينة غريبة ينبغي أن تكون لك غرفة قاصرة عليك، يحق لك أن تعتكف فيها، تنفرد بنفسك حينما تتعاظم جلبة الأصوات الجديدة، وغير المفهومة، بأكثر مما ينبغي، يجب أن تكون هادئة، لا يرصدك أحد بينما تلوذ بها، لا يراك أحد وأنت تغادرها"

                                                 إلياس كانيتي من (أصوات مراكش)

ـ "انظر إليّ وتفحصني. كائن يغادر الأرض، خذ منه وتعلم: خلاصك في مشقتك. اعرف هذا وافهمه، الحياة بنت الموت، في الظلمات تنمو البذور، الظلمة ليست شراً خالصاً، إنها الرحم الذي تخرج منه الحياة، فيها تموت البذرة لكي تنمو النبتة. لو ترسّخ هذا في قلبك لفهمت وتقبلت المشقة لأنها الطريق. لا خلاص بلا مشقة. لا تحرن مثل البغل. وترفض ما يحدث لك. اقبله واحتمله. كل شيء حولك يقول ذلك. النبتة تشقى من أجل تكون الفرع، والفرع من أجل الورقة والورقة من أجل الزهرة والزهرة من أجل الثمرة والثمرة تحمل الحبة في بطنها، وتموت لكي تبدأ حياة أخرى، تأمل هذا وافهمه، إنه القانون. الحق". 

من رواية (الوصايا) لعادل عصمت

ـ "حتى عهد قريب كانت الحداثة تعني تمردا غير محافظ ضد الأفكار الجاهزة وضد الكيتش، أما اليوم فتمتزج الحداثة بالحيوية المتدفقة لوسائل الإعلام، أن يكون المرء حديثا أصبح يعني أن يبذل جهدا خارقا لكي يكون مواكبا لما يجري، يكون طِبق ما يجري مقدودا عليه، يكون أكثر محافظة من كل المحافظين، لقد ارتدت الحداثة رداء الكيتش" 

ميلان كونديرا 

ـ "الحب يجعل المرء يتبدل فيظن أن العالم هو الذي يتبدل" 

ناعومي والاس 

ـ "في اللحظة التي سوف نفاجئ فيها أخيرا شيئا ما، التي نقترب فيها من الأجوبة البلورية الكبرى، التي سوف نتمكن فيها من الاختيار بين نفسنا ونفسنا، من التغلب على قانون جاذبية الروح، من الإحساس العميق بالغربة، من التعاظم من كل الجهات، من قص أثر القضاء والقدر، في اللحظة التي يبدو فيها كل ذلك قريبا جدا من الحصول، نتعثر بكثافة حائط... كل كلمة يقطع رأسها جدار جديد ما إن تخرج من فمك... امبراطورية الجدران لا متناهية، وويل لمن يساومها على وجبة القرميد والجبس المتوجبة لها... من يقل جدارا يقل سماكة، في نهاية المطاف يلاحظ المرء أن كل شيء يتم وفقا لسماكة معينة، في البداية تماما يكون لوحده، غير سميك إطلاقا، مهملا كليا، قطعة براز صغيرة متوحدة، ثم يصبح إثنين، أمام الشرعة أو وراءا، عندئذ على الفور يكون أكثر سماكة، يود الناس أن ينظروا إليك باحترام، يراقبونك ليروا إذا لم تكن ستزداد نموا، تصبح أكثر ارباكا بقليل، كما تتطلب قوانين الطبيعة، وصايا الأخلاق تساهم في السماكة الجماعية، تمثل العائلة سماكة مهمة، جديرة بالتشجيع، من الصعب اجتيازها، واثقة من حقها في الحجم النظامي، في الأعلى تبقى عدة طوابق ينبغي اجتيازها، تقيم الدولة في القمة، تكتب الدولة التاريخ، مسألة خط لا أكثر، من حين لآخر تستفز الدولة خَدَمها كافة، لتتحقق من درجة سماكة الأمة، لتذل السماكة المنافسة الخاصة بالأمم المجاورة، حين يكون هذا تم استهلاك الكثير من السماكة، يستأنفون بناء الجدران، الحياة كجدران، مع الضجر ذاته، الجمود ذاته، مع وجوه جدران عدائية، مع مصير سميك وغير نافع وممتلئ جدرانا" 

جورج حنين من (معنى الحياة) ترجمة ساران ألكسندريان 

ـ "نحن العرب في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في أشياء كثيرة، إن لم أقل في كل شيء تم الاتفاق أو الاصطلاح عليه، وبخاصة تلك الأشياء التي رحلناها إلى خانات "البداهة" و"المفروغ منه" و"في الحقيقة" و"في الواقع" و"مما لا شك فيه"، إلى "مما لا يختلف فيه اثنان"، إلى آخر ما يشبه ذلك من الأوهام العقلية التي أصبحنا نمارسها في سلوكنا الفكري والعملي بحكم العادة والتكرار، بل الكسل والجبن، دون أن نقف لحظة لمعاودة النظر فيها، ومراجعة أنفسنا، ربما اكتشفنا وراء العاهات والعادات الفكرية أشياء لا يمكن بحال "الفراغ منها"، ولا يسهل بحال الاتفاق عليها"

نجيب سرور من كتابه (هموم الأدب والفن)

ـ "صانع اللعب صنع زوجة لعبة وطفلاً لعبة. صنع بيتاً لعبة وبعض السنين اللعبة. صنع شيخوخةً لعبةً، واحتضاراً لعبة. صانع اللعب صنع جنة لعبة وإلهاً لعبة. لكن أفضل شيء أحبه هو صناعة الهراء اللعبة". 

من (كلنا نولد مصابين بالغثيان) لـ راسل إدسن ترجمة أحمد شافعي 

"عليكِ أن تحرري عقلكِ تماماً من الوهم الذي نشأنا معه جميعاً في طفولتنا، وهو أن المؤسسات التي نعيش في ظلها أصلية وطبيعية شأنها شأن أحوال الطقس، وهي ليست كذلك، فلأنها توجد في كل مكان من عالمنا الصغير، فإننا نعتقد أن وجودها من المُسلّمات، وأنها لطالما وُجِدت في ما مضى ولا بد أن توجد بعد ذلك على الدوام. هذا خطأ خطير، فهي في الحقيقة مجرد بدائل مؤقتة. خلال بضعة أجيال فقط تحدث تغيرات ما كان أحد يتخيل أنها من الممكنات. يعتقد أطفالُ أيامنا هذه أن أموراً من قبيل قضاء تسع سنوات في المدرسة، أو تلقي معاش للمسنين والأرامل، أو حق الانتخاب للنساء، أو وجود النساء بتنورات قصيرة في البرلمان كلها جزء من النظام الطبيعي، وأنها لطالما كانت وسوف تظل دائماً، ولكن جدات أمهاتهن وآبائهن قد يصرّحن بغير ذلك وبأنه لو أن شخصاً ما قال لهن إن مثل تلك الأمور سوف تُستحدث لكان مجنوناً، ولو أن شخصاً أراد لتلك الأمور أن تُستحدث لاعتبرنه خبيثاً كريهاً" 

مقتطف من كتاب (دليل المرأة الذكية إلى الاشتراكية والرأسمالية) الذي كتبه جورج برنارد شو وصدر في لندن عام 1928، وقد استخدم المقتطف آلان دو بوتون في كتابه (قلق السعي إلى المكانة) الذي صدر بالإنجليزية في عام 2004 وترجمه قبل عامين محمد عبد النبي 

ـ "وحيداً في قمتي الباردة، والسحب تلفني وتدخل في عيوني لتخرج من آذاني، وتدخل في آذاني لتخرج من حلقي، وحيدا في برجي العاجي، حيث لا يصلني إلا صوتي، وحيدا في ملكوتي أجلس شامخا كشيخ القرود في حديقة الحيوان، وأخرف!. أحيانا أخرف تخريفات تعجبك أيها القارئ العزيز، فتضحك وتكركر أو تبكي منفعلا، وتدبدب برجليك في الأرض، وتخبط رأسك في الجدار، أو تتنهد واضعا يدك الكريمة على قلبك الرحيم، فقد أصاب منك كلامي وترا حساسا، أو حشاشا، لا سمح الله وان شالله العدو اللي يكرهك ـ أصل فيها إعدام وحاجات من دي. وأحيانا أخرف تخريفات لا طلعت ولا نزلت، تخريفات وبس، فإذا رزقني الله بمن يقول لي أنها بايخة، وضعت عقلي في رأسي واستعنت بالله، وبطلتها في الحال، أما إذا تركني الناس على عماي، أو تحرجوا من لومي أو تقريعي، أو تآمروا على حضرتي لكي أقع في شر أعمالي وأحفر قبري بضلفي، فإنني ربما أظل سادرا في غيي فترة تطول أو تقصر، قبل أن أضع عقلي بمعرفتي في رأسي، أو ينبهني ابن حلال إلى بواخة ما أنا فاعله، وسخافة ما أنا مخرفه".

من مقال لصلاح جاهين نشره في مجلة (صباح الخير) في الخمسينات، نُشِر نصه الكامل في الجزء السابع من أعماله الكاملة الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.