رعاة البقر العفاريت

رعاة البقر العفاريت

03 مارس 2019
+ الخط -
لم يكن التلفاز آنذاك قد دخل كل البيوت، وربما كنت محظوظة لأننا كنا نمتلك واحداً في منزلنا، ورغم أنه كان ضخماً ويشبه الصندوق ولا ألوان فيه سوى الأبيض والأسود، فقد شاهدنا فيه لسنوات روائع الأعمال المصرية وبعض المسرحيات والأفلام والرسوم المتحركة، قبل أن يتوقف نهائياً وتبوء كل محاولات إصلاحه بالفشل.

كان علينا أنا وإخوتي الانتظار إلى ما بعد عطلة نهاية السنة، ليفاجئنا والدي بتلفاز جديد وعصري أصغر من سابقه وبجهاز تحكم أيضاً، كما جلب عمي بعده بأيام جهاز DVD، بالنظر لأنه كان يعشق مشاهدة الأفلام.


كنت أقاسم عمي هذا العشق أيضاً، لكن لم يكن مسموحاً لي بمشاهدة كل الأفلام التي يجلبها، وكان خيالي الجامح يسرح بعيداً في تصوير المشاهد وتركيب القصص، بينما كان عمي يستمتع بجديد أفلام الأكشن والحروب، وبعض الأفلام الكوميدية، وغيرها.

كان يجلب لنا سلسلة رسوم كارتونية وبعض قصص الأنبياء والرسل، وأذكر أيضاً أنه سمح لنا في العطلة بمشاهدة الفيلم المصري "العفاريت"، وكم ارتعبت من شخصية "أمنا الغولة"، التي كانت تعذب الصبية وتجبرهم على التسول وتسلبهم كل شيء، في المقابل أعجبت بأغاني الفيلم وحفظتها عن ظهر قلب.

في تلك الأيام، كان التلفزيون يعرض مساء كل جمعة فيلماً من أفلام رعاة البقر "الكاوبوي"، وهو النوع الأثير لديّ، كنت مفتونة بقصصهم وبالخيول وقبعات الأبطال والأحذية المسننة والقمصان والأسلحة، وكنت أنتظر الحصة بفرح غامر، وأحرص على أن تنام شقيقتي، في محاولة للاستمتاع بكل لحظة من تلك اللحظات، وأنا ممددة على أريكة لا صحن فشار أو قطع شكولاتة بجانبي.

وعبر تلك الشاشة المعلقة سافرت مع روائع كيرك دوغلاس وغاري كوبر وبرت لانكسر وكريك دوغلاس وكلينت إيستوود، الذي أبدع في رائعتي "الطيب والشرس والقبيح" و"مهرجان الدولارات".

غير أن حظي لم يكن جيداً دائماً، فقد حدث في مرات عديدة أن تزامن دخول والدي مع مشاهد تختفي فيها المسدسات وتنفد الطلقات النارية، لتفسح في المجال لمشاهد تعكر مزاجه أو ربما كان يراها غير ملائمة لمراهقة في عمري، فيغلق الجهاز ويتوعد بحرماني من الفرجة بشكل نهائي إذا لم أحصل على معدلات دراسية مرتفعة. كم كانت هذه الفكرة ترعبني، فقد كان ذلك الملاذ الأول والأخير لخيال ينمو، ويستمتع بملاعبة الأبطال كمتعة، ثم بعد ذلك تأتي القصة والرسائل.
حنان النبلي
حنان النبلي
صحافية مغربية، حاصلة على ماستر متخصص في الدراسات الأدبية والثقافية في المغرب. من أسرة "العربي الجديد".

مدونات أخرى