حوار مع صديق "متفائل حبتين"

حوار مع صديق "متفائل حبتين"

28 مارس 2019
+ الخط -
جرى هذا الحوار مع صديق متفائل "حبتين" ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة المصرية حاليا بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ومن أبرز ملامحه خفض دعم السلع الرئيسية بما فيها المياه والوقود، وبيع البنزين والسولار والكهرباء بالأسعار العالمية، وتعويم الجنيه، والتوسع الكبير في الاقتراض الخارجي، حيث اقترضت الحكومة في العامين الماضيين أكثر مما اقترضته حكومات مبارك المتعاقبة طوال 30 عاماً.

الصديق لديه جرعة تفاؤل شديدة بقدرة الحكومة على سداد الديون الخارجية مهما زاد حجمها وعلت قيمتها، بل ويؤكد أن الحكومة لديها سيناريوهات عدة للسداد، وأنه لا يوجد ما يدعو لقلق وفزع النخبة من الاقتراض، أما بالنسبة لرجل الشارع فهو، من وجهة نظر صديقي، غير معني بالقضية من أصلها، لأن قضيته الأساسية هي الجري وراء لقمة عيشة وملاحقة الأسعار التي تواصل الارتفاع يوماً بعد يوم.

- سألت صديقي: "مش شايف" أن الحكومة المصرية زودتها كثيرا في موضوع الاقتراض الخارجي؛ فهناك قروض ضخمة يتم الحصول عليها شهريا، ووتيرة الاقتراض زادت منذ تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016، وللأسف لا يوجد خطة للخروج من هذا المستنقع، أو حتى "فرملة" الاقتراض وكبح جماحه.

* فأجاب وكله ثقة: لا تقلق، الحكومة عاملة حسابها في كل شيء، حاسباها بالورقة والقلم .. كله تحت السيطرة و"متسستم"، ضع في بطنك بطيخة صيفي.

- كيف.. طمني لأنني قلقان جدا على مستقبل البلد ومستقبل أولادنا وأحفادنا خاصة وأن أعباء الديون باتت تستنزف الجزء الأكبر من ميزانية وإيرادات الدولة وتفوق قيمتها حصيلة الضرائب، وهذا كله على حساب الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم ودعم السلع الأساسية والمشروعات الخدمية.

* الحكومة تؤكد من حين لآخر أننا في الحدود الآمنة، وأنه لا خطورة من الاقتراض الخارجي.

- يا سيدي، الحكومة تقول براحتها، دعك من التصريحات الرسمية، قل لي حقائق على الأرض تطمئنني، الواقع معقد ويقول إن الدين الخارجي تجاوز 100 مليار دولار، هذا يعني أننا ضاعفنا حجم القروض خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط، واقترضنا أكثر 50 مليار دولار، وهو ما يقترب من قيمة المساعدات الخليجية التي حصلت عليها الحكومة منذ منتصف العام 2013، أنت ستصل إلى مرحلة تجمع فيها الضرائب وايرادات الدولة لتسدد بندا واحدا هو أقساط الديون الخارجية.


* نحن سنزود وتيرة الاقتراض لغاية ما نصل إلى 150 مليار دولار، وساعة السداد يحلها ربنا أو لن نسدد. من الأصل، أليست هناك دول فعلت ذلك؟

- أنت بتهزر، صح؟

* أحاول أن أخفف من حدة النقاش.

- قل لي حلولا تطمئنني، أنا أتحدث بجد، إن لم نسدد الديون الخارجية سيقطع علينا العالم "المية والنور"، ولنا في تجارب الدول الأخرى عبرة، سيتم فرض إجراءات قاسية علينا مقابل تأجيل سداد الديون أو الحصول على قروض جديدة، سيصار إلى إجبار الحكومة على زيادة الأسعار والضرائب والرسوم والجمارك، هنا ستكون الحياة صعبة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

* الحكومة مرتبة كل حاجة وعندها عدة سيناريوهات، يعني الوضع "مش ماشي همايوني" كما تتخيل، زي ما قلتلك كله حاجة "متسستمة" وتحت السيطرة.

- كيف، قل لي السيناريو الأول؟

* أول سيناريو وهو فكرة عبقرية لكنها بسيطة والحكومة تطبقها بالفعل، تقترض من الخارج لكي تسدد الديون المستحقة والفوائد المستحقة عليها، وكل ما يحل موعد سداد قرض تقترض أكثر لكي تسدد قيمة الدين المستحق، والباقي يتم صرفه على المشروعات القومية الكبرى والعاصمة الإدارية الجديدة.

- وهل يستمر ذلك للأبد خاصة وأن الديون وفوائدها ستتزايد؟

* الله أعلم.

- وما السيناريو الثاني؟

* تواصل الحكومة الاقتراض ما دامت مضطرة، وفي الطريق تأتي كارثة مثل حرب الخليج الأولى التي احتل فيها صدام حسين الكويت في عام 1991، هنا تنحاز الحكومة لأحد الأطراف المتصارعة، وبالتالي سيقوم هذا الطرف بإسقاط ديونه المستحقة على مصر، فاكر أنت طبعا قصة إسقاط 50% من ديون مصر الخارجية عقب مشاركة مصر في التحالف الدولي بقيادة أميركا ضد صدام حسين.

- والسيناريو الثالث؟

* نبيع مجموعة من أصول الدولة وشركات قطاع الأعمال العام، إضافة إلى طرح أراض وعقارات مملوكة للدولة للبيع، مع سحب قطع أراض من المتعثرين في السداد، وإعادة طرحها للبيع بأسعار أعلى.

- وما السيناريو الرابع؟

* الحكومة تصادر عدة شركات ومستشفيات مملوكة للقطاع الخاص، ونقول إنها مملوكة لجماعة لإخوان، وأن إيراداتها تمول الإرهاب.

- هذا أمر خطير يهز الثقة في مناخ الاستثمار.

* ولا خطر ولا حاجة، العالم كله معنا ضد الإرهاب، المهم الا تخرج الخارجية الأميركية والبيت الأبيض للتنديد بالمصادرات، وهذا "متسستم" أيضا ومتفق عليه مع ترامب.

- وماذا لو فشلت السيناريوهات السابقة خاصة مع ضخامة الديون المستحقة للخارج، أنت مطالب بسداد أكثر من 14 مليار دولار في عام، أي أننا نتحدث عن أكثر من 240 مليار جنيه، أنا لا أتحدث معك عن الدين الداخلي، فهذا لوحده كارثة.

* هنا يخرج السيناريو الخامس وهو ممارسة الضغط على الدائنين حتى يؤجلوا السداد أو يسقطوا الديون؟

- وإذا رفض الدائنون هذه الضغوط؟

* لا مشكلة، إذا أصر الدائنون مثلا على السداد وفي الموعد المحدد، ساعتها "سنطلق عليهم كام" مركب هجرة غير مشروعة، هنا سيصابون بالفزع ويوافقون فوراً على إسقاط الديون.

- وهل لديك سيناريوهات أخرى للتعامل مع هذا المأزق؟

* كتير، نطبع شوية فلوس في البنك المركزي ونسدد الديون المستحقة.

- "مينفعش"، لأن السداد لازم يكون بنفس العملة، يعني اقترضت بالدولار لازم يتم السداد بالدولار، عملتك المحلية لا تصلح للتداول خارج حدود البلاد.

* "هرش" في رأسه قائلا "معقولة هذه معلومة جديدة بالنسبة لي".

- أنا قلقان من كلامك، خاصة وأنك تطرح حلولا بدائية للتعامل مع قضية في منتهى الخطورة؟

* ولا خطر ولا حاجة، لا تبالغ .. كل الدول بتقترض.. انظر إلى أميركا نفسها والديون المستحقة عليها .. دين أميركا المحلي تجاوز 21 تريليون دولار، وقصة الديون الخارجية هي أمر بسيط، المفروض ألا تشغل بالك بها يا نجم .. نحن أقوياء جدا ولا تهزنا مثل هذه الأمور.. يا ما دقت على الرؤوس طبول، مشكلة الديون تكون عند الدول الضعيفة، لكن نحن وبما لدينا من تأثير على الساحة العالمية أقوياء وسيعمل لنا الجميع ألف حساب.

- يا عم الحاج.. أنت تتكلم على أميركا صاحبة أقوى اقتصاد في العالم.. يعني صادرات سلاح وتكنولوجيا معلومات وأدوية وخدمات بمئات المليارات من الدولارات سنويا.. يعني استثمارات بآلاف المليارات من الدولارات من دول كبرى مستثمرة في أدوات الدين الصادرة عن الحكومة الأميركية، خذ فقط مؤشرا واحدا هو استثمارات الصين في السندات الأميركية وكيف أن حجمها يتجاوز 1.126 تريليون دولار، واستثمارات السعودية 171.6 مليار دولار.

* ماشي، أميركا لديها اقتصاد قوي ونحن أيضا عندنا الأهرامات الثلاثة وأبو الهول والسياحة وثلث آثار العالم وقناة السويس وشرم الشيخ وسواحل على البحرين المتوسط والأحمر و12 مليونا يعملون في الخارج يحولون أكثر من 25 مليار دولار سنويا لذويهم في الداخل.

- طمنتني الله يطمنك، حلولك كلها غير واقعية وتثير القلق أكثر مما تخففه.

* لا تقلق، سأخرج لك الكارت الأخير.

- وما هو؟

* الحكومة ستفتح على البحري في موضوع الاقتراض خلال الفترة المقبلة وإلى أن يصل الرقم إلى 150 مليار دولار، حتى تأتي فلوس صفقة القرن لتسدد كل هذه الديون مرة واحدة، ألا تلاحظ أن الحكومة تتحدث من وقت لآخر عن الطفرة الاقتصادية المتوقعة وقرب قطف الثمار وتحقيق مصر أعلى معدل نمو اقتصادي في العالم، هذه الطفرة ستحدث عقب وصول أموال صفقة القرن، أو عقب إسقاط كل الديون المستحقة علينا. مرضي يا عمي؟

- مرضي يا عمي حمام!
مصطفى عبد السلام
مصطفى عبد السلام
صحافي مصري، مسؤول قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد".