العسكري الذي يحبّ حافظ الأسد

العسكري الذي يحبّ حافظ الأسد

23 مارس 2019
+ الخط -
بينما نحن في الطريق إلى سهرة "الإمتاع والمؤانسة" التي ستُقام في منزل "أبو جهاد" بمدينة الريحانية التركية، كان الأستاذ كمال يعطي لابن بلدنا "أبو حمود" القادم من بروكسل في زيارة قصيرة، فكرةً موجزة عن وضعنا نحن السوريين المقيمين في المناطق التركية الجنوبية، القريبة من معبر باب الهوى الحدودي.

قال كمال إننا نزحنا إلى تركيا في أوائل سنة 2012، هرباً من صواريخ حسن نصر الله التي كانت مخبأة خصيصاً لتحرير القدس، وبراميل ابن حافظ الأسد التي صُنِعَتْ في معامل الدفاع السورية لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدوّ الصهيوني. وكنا في البداية، نصرف من مدخراتنا القليلة التي حصلنا عليها قبل النزوح بطرق مختلفة، فكان منا مَنْ باع منزله، ومَنْ باع أرضه أو دكانه، ومَنْ أتته مساعدات عاجلة من أقاربه الذين يعملون في دول الغرب الاستعماري، أو في أميركا المعادية لقضايا تحرر الشعوب النامية.. وكان الكل مطمئناً إلى أن نظام ابن حافظ الأسد سيسقط، وسوف نعود إلى ديارنا معززين مكرمين. ولكن القضية طالت، وتراكم فوقها الكثيرُ من الغبار، فبدأ الجميع يبحثون عن عمل يأتيهم منه دخل، وبالفعل، إن معظم الرجال والشبان اليوم يعيشون هنا حياة كريمة.. والأجمل من هذا أننا نسهر كل ليلة في بيت أحدنا، ونحكي عن سوريا كما لو أننا لم نغادرها قط.  

في منزل أبو جهاد، بعد تناول العشاء، عاد بنا الحديث إلى سيرة السجون والمعتقلات السيئة الصيت، التي اعتمد عليها نظام حافظ الأسد الفاشستي في إركاع الشعب السوري. وكنت أنا في السهرات السابقة قد طلبت من الأصدقاء السامرين إعطاء الحق في الكلام لـ أبو زاهر باعتبار أن له باعاً طويلاً في هذا المجال، وعنده خدمة 16 سنة كل يوم فيها بمئة سنة مما نعد. ولكن شهيتي، في هذه السهرة فُتِحَتْ لأن أحد الحاضرين، بالمصادفة، أورد اسم المناضل راشد الصطوف. 

قلت: أولاً راشد من أعز أصدقائي، وثانياً أنا سجلتُ مجمل حكايته عن الاعتقال ضمن فصل خاص من كتابي (كوميديا الاستبداد) بعنوان "رحلة راشد الصطوف".

ضحك أبو الجود وقال: رحلة؟ يعني متل رحلاتنا لما كنا في المدرسة إلى الساحل السوري وجزيرة أرواد؟

قلت ممازحاً: لا والله، وأنت صادق، متل رحلاتنا إلى تلكلخ والمركز الحدودي السوري اللبناني "العَريضة" اللي كانوا أساتذتنا يأخرونا عليه منشان يشتروا بضائع لبنانية مهربة، على اعتبار أن حافظ الأسد كان يمنع استيراد كل شي، ويتبع معنا سياسة حقيرة اسمها سياسة "شد الأحزمة على البطون".

قال أبو محمد: لا تشتتوا الموضوع. على أساس يا أبو مرداس تحكي لنا عن رحلة رفيقك راشد الصطوف.

قلت: راشد حكى لنا - في سهرة جميلة متل هالسهرة - تفاصيل رحلته وهوي عم يضحك ويمزح، ولاكن تفاصيلها مؤلمة إلى حد البكاء. وأنا برأيي أنو أحلى فصل ضمن الرحلة هوي فصل (العسكري اللي بيحب حافظ الأسد). 

قال أبو زاهر: أشو عم تقول يا أبو مرداس؟ ليش في عسكري ما بيحبو لمحروق النَفَس؟ 

قلت: كلُّنْ بيحبوه، بس هادا العسكري كان يحبو أكتر من غيرو. والدليل أن راشد وزملاؤو المساجين كانوا عم يتعرضوا للضرب والإهانات في ساحة سجن تدمر، وبقي هالعسكري بعيد وكأنو مالو علاقة بكل هالسالفة. لاكنْ لما انتهت حفلة التعذيب، وتنفسوا المساجين الصعداء، وظنوا حالون انتهوا من الكابوس، ما شافوا غير حضرة هالعسكري أجا لعندون وصاح فِيُّونْ صوتْ من قحف راسو: انتبه. استعد. 

وبعدها طلب منهم أنو يوقفوا على هيئة دائرة، ورَكَّبْ السنكة في راس البارودة وصار يضربهم فيها على رؤوسُنْ ويقول: 

- ولاك يا حيوانات، شو هوي الشي اللي مو عاجبكم بالسيد الرئيس حافظ الأسد؟ آ؟ ولَكْ السيد الرئيس شخاختو دوا، والخروج تبعو مَزَار. 

قال لي راشد: كنت على وشك أني قول لهالعسكري إنو طالما شخاختو دوا، والخروج تبعو مَزَار، ليش حضرتك جيت لعنا؟ ليش ما بتروح لعندو ع القصر الجمهوري وبتتداوى بشخاختو، وبتتبرك بالخروج تبعو؟.. لاكن بصراحة خفت ما يغرز السنكة في بطني. فسكتت.

وللحديث صلة 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...