عفواً تركيا... لسنا متسولين

عفواً تركيا... لسنا متسولين

22 مارس 2019
+ الخط -
كما جرت العادة، قبل كل استحقاق انتخابي، بدأت أحزاب المعارضة التركية، ترمي بالسوريين "كغولة" بوجه حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وتحملهم أسباب انكماش الاقتصاد وزيادة تفشي الجريمة، بل ووصل الحال، بزعيمة حزب "الجيد" المعارض، ميرال أكشنار، أن تتهم السوريين بالسيطرة، أو احتلال حي الفاتح، أكبر أحياء إسطنبول وأكثرها محافظة، ليكون "لن أسلّم الفاتح للسوريين" الشعار الأكثر انتشاراً لمرشحة حزب "الجيد" إيلاي أكسوي للمنافسة على بلدية الفاتح.

وعلى المعزوفة ذاتها، لحّن زعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو، وإن بنشاز وخروج عن "نوتة الحقيقة"، مدعياً أن السوريين لا يدفعون ضرائب ويتعالجون بالمجان ويتسببون بتراجع أداء الاقتصاد. ليعود استخدام السوريين قُبيل الانتخابات المحلية التي تشهدها تركيا 31 آذار/مارس الجاري، كورقة انتخابية، تتاجر بها المعارضة التركية، وبأساليب تعتمد التحريض والتعبئة، في إطار صراعاتها السياسية ضد الحزب الحاكم.

ثمة "أضاليل" تروجها الأحزاب التركية، من قبيل أن كلاً من السوريين يتقاضى راتباً شهرياً من الحكومة التركية بنحو 1200 ليرة تركية، وأن الطلاب السوريين يدخلون الجامعات دونما ضوابط ويتعلمون ويتعالجون بالمجان.

وهذه الشائعات التي ترفع كشعارات انتخابية منذ سنوات، جميعها عارية عن الصحة، لأن المعونة التي يتلقاها بعض السوريين، لا تزيد عن 120 ليرة للفرد عبر بطاقة الهلال الأحمر، وتصرف، كما يغطى العلاج الصحي، من معونات الاتحاد الأوروبي، ولا يستفيد منها أكثر من 120 ألف سوري من أصل نحو 4 ملايين لاجئ بتركيا، كما أن جميع الطلاب السوريين، يخضعون لفحص (yos) كسواهم من الطلاب الأجانب.

كذلك ما يروّجه المعارضون بتركيا، من أن السوريين يعيشون على نفقة تركيا وتصرف الحكومة عليهم بالمخيمات، فأيضاً بذلك كثير من المبالغة والكذب والتضليل، إذ لا يزيد من هم بالمخيمات التركية، عن 250 ألف سوري. وأيضا، جل نفقاتهم، إن لم نقل جميعها، مغطاة من المساعدات والمنحة الأوروبية. والذي لا يعرفه المعارضون الأشاوس، أو على الأرجح يعرفونه وينكرونه، أن أكثر من 3.5 ملايين سوري يعيشون بتركيا على نفقاتهم الخاصة، بل وينفقون نحو 7 مليارات دولار سنوياً.

ولن نأتي على ملف التجنيس ومن المستفيد، بعد أن جذبت تركيا أهم الكفاءات السورية، والذي بطبيعة الحال، لم يشمل سوى 79 ألفا و820 سوريا، وبعد استثناء غير البالغين من بين هؤلاء، فإن عدد السوريين الذين يستطيعون التصويت في الانتخابات الشهر الجاري، هو 53 ألفا. وأكيد، لا تأثير لهم بواقع 50 مليون ناخب تركي.

ولكن وللأسف، يبدو أن قدر السوريين، أن يبقوا أشبه بـ "فزاعة" تروّج لها أنظمة حاكمة، وقوى سياسية، في منطقة الشرق الأوسط، للتأثير على الجمهور، وللحصول على مكتسبات سياسية واقتصادية.
ولنبقَ بتركيا، التي لا يمكن الجحود لما قدمت أو إنكار ما فعلت للسوريين، منذ بدأت تغريبتهم منتصف 2011، حتى اليوم، من حسن استضافة وتقديم كل ما بوسعها، بل ولم تزل حتى اليوم، أفضل من أي دولة، شقيقة وصديقة، رفعت بوجه السوريين حدودها وفرضت شروطاً تعجيزية، لمجرد السماح للسوريين بزيارتها.

ولكن بالمقابل، لم يكن كل السوريين، عالة أو عائقاً بوجه تطور الاقتصاد والتنمية، أو عمالتهم الماهرة والرخيصة، سبباً لارتفاع البطالة.

ربما نتهم بالمبالغة إن قلنا للسادة، مرشحي المعارضة بتركيا، إن السوريين ومنذ دخولهم تركيا عام 2011، أضافوا لمساتهم على الاقتصاد، عبر زيادة الإنتاج والتصدير، بل وأكسبوا حتى الأتراك، نمطهم الاستهلاكي وباتت السلع والمنتجات السورية، موضع منافسة لمثيلاتها التركية، بل وبعضها مفضل من الأتراك أنفسهم، بل ويتبوأ السوريون المركز الأول بالاستثمارات الخارجية بتركيا، وللعام الثالث على التوالي.

نهاية القول: رغم يقيننا أن السادة المعارضين بتركيا، يستخدمون السوريين كـ"ورقة انتخابية" ليس إلا، إذ لا يحق لهم ولا لغيرهم، طرد السوريين الموجودين بتركيا، كما بالعديد من دول العالم، وفق قانون الحماية المؤقتة أو قانون اللجوء، ولا يمكن حتى أن يطلبوا منهم العودة، وليس الطرد، قبل أن يستتب الأمن ببلدهم.

هذا إن لم نعامل المعارضة التركية بالمثل، من استفزاز وإثارة، ونؤكد لها وفق ما أوردنا من أرقام، أن السوريين سيتركون ثغرة بالاقتصاد التركي وغير الاقتصاد، إن غادروا بلادهم فهم ليسوا عالة بل إضافة، وهم ينفقون وينتجون أكثر مما منحتهم تركيا.