عمر... إذ يحترم السلاح!

عمر... إذ يحترم السلاح!

20 مارس 2019
+ الخط -
وجدت أن شيئا واحدا يمكن أن يسوغ هذا الجبن الإسرائيلي في مواجهة منفذ عملية سلفيت، هو تنكر الإسرائيلي لسلاحه، كان في ذلك التنكر والارتخاء إغواء شديد الإلحاح لعمر كي يقدم على فعلته، إذ يصعب على الفتى المقاتل أن يرى ذراعا غير خليقة بحمل السلاح تلوح أمامه دون أن يستفزه الفعل المقاوم، ودون أن تجتاحه رغبة اقتلاع السلاح من الخطيئة إلى ذراعه الصائبة، ذراعه هو استحقت أن تحمل السلاح عوضا عن كل الجنود المتفشين منقوصي الجدارة.

لا يستحق الجندي الذي يفقد سلاحه في لحظة اشتباك، سوى المصير الذي يعرفه جنود إسرائيليون كثر خسروا الشجاعة أمام المقاتل الفلسطيني، وفقدوا فجأة كل ما تعلموه عن العسكرة والسلاح والحرب، لم يكن عمر يحمل سلاحا ناريا يعري فيه سطوة الجند على المكان، لكنه كان يحمل طموحا غزيرا لإنهاء رعشة السلاح في يد خاطئة، كان عمر متمكنا من ذراعه الخاوية لكنها الكثيفة والثابتة، والتي بالكاد تعرف ملمس البندقية ومكوناتها، قبل العشرين بعام لا تعرف يد الإنسان الكثير عن أشياء كثيرة، أهمها في الحالة الفلسطينية، السلاح..


عمر أبو ليلى صرع جنديين، قبل أن يلحقهم بثالث هو حاخام مدجج بالكراهية والحقد، حاله حال كل حاخامات إسرائيل الذين يمسكون الدين اليهودي ويضعونه على فوهات البنادق والمدافع، كي يستبيحوا أجساد الفلسطينيين على الطرقات والحواجز في المدن والشوارع، لقد كان عمر هزيلا وسط تكوم الجنود، وكان على قدر من البراعة والحنكة كي يضع كتيبة جيش مجهزة ومدربة، في موضع عسكري حرج، تكون الغلبة فيه للشاب الذي وصل إلى المكان وليس في يده سوى سكين مطبخ، وبقدرة عجيبة صار هو الممسك بزمام اللحظة كأنه هو من صنع زمانها ومكانها.

ما حدث بعد ذلك، معروف لدى الجميع، عمر يستشهد بظروف الاشتباك نفسها التي عرفها قبله الشهداء باسل الأعرج وأحمد جرار ومحمد الفقيه..، ومعروف أيضا كيف سيدخل الجيش الإسرائيلي مناطق الضفة الغربية لمحاولة تثبيت صورته المهتزة على يد الفتى المتحصن، "سخيفة هذه الكلمة لما نعرف أن تحصنه لا يعني سوى غرفة، وبعض الماء والطعام"، في أحد البيوت التي ستعرفها مخابرات الاحتلال إثر وشاية خائن، ومعروف أيضا، أن الفتى الذي هز إسرائيل قبل ثلاثة أيام، سيخوض معركة شريفة على غرار معارك فردية كثيرة خاضها شباب فلسطينيون في الظروف نفسها، وسط الحالة الفلسطينية نفسها.

ويلتحق الاسم القصير بركب أسماء من سبقوه على الدرب نفسه، بالإيمان نفسه، بالعاطفة نفسها، كان اسمه أقصر من أن يعبئ مخيلة شاعر، ولكنه بكثافة الحضور، يزهر كاللوز على بنادق الرجال، والفتى عرف كيف يقدر البندقية وكيف يحترم السلاح. سلاح يشتد أثره ويوغل رصاصه كلما كان احترامك له أشد، وجدت ما يسوغ شجاعة الفلسطيني، في أعقد الظروف وأحلك الأزمنة، هو احترام السلاح.
C0BA4932-E7DF-48F8-A499-8FAA0D6C1F19
عدي راغب صدقة

أدرس تخصص الصحافة والإعلام في جامعة البترا... أهتم بعديد الشؤون العربية، ولكن أولي اهتماما خاصا بالشأن الفلسطيني.