مروة

مروة

12 مارس 2019
+ الخط -
مروة.. هذا هو اسمها العربي الذي اختارته لنفسها تيمنا بالصفا والمروة وجهاد السيدة هاجر ووصولها، أو استبشارا بالرواء والكفاية والرضا ربما، سويدية مسلمة كانت تكبرني بحوالي 15 عاما..

كانت أيامها في منتصف أربعينياتها، جامعية ومتزوجة بمهندس مصري مثقف ميسور الحال وتعيش في الإسكندرية منذ سنين، تتحدث العامية المصرية بطلاقة وتنسجم مع المجتمع الشرقي بدرجة تدعو للعجب، لما تكررت لقاءاتنا العابرة في جيم النادي، لم أخفِ فضولي بخصوص تقديرها لأسلوب حياتنا هنا بالرغم من كل السلبيات، وبرغم فجوة حضارية تبتلع الزمن وتفصلنا عن عوالم اسكندنافيا بسنين ضوئية..

ويبدو أن السؤال كان يتكرر عليها كثيرا للدرجة التي تجعلها ترد بسرعة وحسم: أنا مقدرش أتخيل أعيش في مكان ما أسمعش فيه صوت الأذان..


أسمع ردها وأفكر في الفروق السيكولوجية في استقبال الدين بين الوارثين أمثالنا، وبين الواردين أمثالها، وأغبطها.. كثيرا ما تمنيت الوصول لفرحة أولئك بالتفاصيل التي نتعودها نحن حتى التبطر، وكثيرا ما حسدتهم على حملهم للمعنى كالدر المكنون في درجات عالية من الروحانية والتجلي، فيما ننازع نحن غبش الشكل للأبد..

لكن...هل يدوم الرضا؟
رأيتها بعدها بسنين تشكو من ضوضاء فوق الاحتمال بسبب هدم العقار الملاصق لهم وبناء آخر في فاصل زمني يتعدى العامين اعتبرته هي بروفة للجحيم! وكادت تبكي وهي تصف كمية الفئران التي هاجمت المبنى هربا من ماكينات الحفر العملاقة. ضحكت يومها وداعبتها بأنها "شارية بمزاجها" لمحبة هذا الجزء من العالم.. وأن "الشروة" على بعضها لا تتجزأ!

أطرقت ولم تضحك لدعابتي أو ترد بالإيجاب كما كانت تفعل من قبل، قلت لنفسي يومها أن ما نتحمله صغارا يثقل ويصبح كحمل الجبال كلما أوهننا مر السنين.

ثم رأيتها بعدها بعدة سنوات كمن كبرت عشرين عاما! وعرفت أن الزوج مريض بمرض عضال وأنها مصدومة في النظام الصحي صدمة عمرها.. وأنهما يفكران في العودة للسويد نهائيا بعدما أنفقا جل مدخراتهما في علاج فندقي استغلالي بائس غير موثوق، حزنت يومها جدا..

أحزنني انكسارها ووحدتها وشكواها من أهل الزوج وابتعادهم وعدم وقوفهم معه في محنته وانتظارهم للميراث المرتقب لكونهما بلا أولاد، وأحزنني أكثر خذلانها في محبتنا.. وانتهاؤها بمغادرتنا بالمرارة والألم بعدما بدأتنا بالود الخالص..

واسيتها يومها بتعاطف عميق.. وتمنيت لها السلامة والرضا اللذين اهتزا في حياتها للأسف.. وكدت أن أستقطر مودتها القديمة بقول: ما زلنا نرفع الأذان يا عزيزتي.. فلعلنا ما زلنا بخير إذن.. لعلنا!
6FDFDD52-19D3-452D-B4D5-4BCBF97AF6F3
أماني عيّاد

مدونة مصرية حاصلة على بكالوريوس علوم تخصص كيمياء، وبعدها "ليسانس" آداب لغة إنجليزية، من جامعة الإسكندرية حيث تقيم. عملت بالترجمة لفترة في الولايات المتحدة.

مدونات أخرى