السجين في إجازة

السجين في إجازة

10 مارس 2019
+ الخط -
لو أتى أيُّ إنسان في العالم على سيرة السجون أمام إنسان سوري لاستنفرَ السوري، وتوتر، وأولى الحديثَ أهمية قصوى. السبب أنه يعيش في الدولة التي تمتلك أسوأ السجون وأقساها وأفظعها.

على هذا الأساس اندفع الحاضرون في منزل ابن بلدنا "أبو نبهان" بمدينة أنطاكية ليدلوا بدلائهم حول تجربة السجن التي عاشها ابنُه "نبهان" في السجن التركي القريب من مدينة "قيصري"..

اتجهتْ أنظارُ الحاضرين باتجاه "أبو زاهر" صاحبِ أطول تجربة اعتقال في سجن تدمر، يريدون أن يحكي لنا شيئاً عن تجربته، ولكن الأستاذ كمال تدخل قائلاً:

- إذا بتسمحوا لي، بدي أحكي لكم شغلة عن صديق تركي سُجِن في "سجن قيصري" نفسه ما يقارب السنتين. اللي صار إنو نحنا، أنا وعيلتي، في أول نزوحنا إلى تركيا، استقرينا في مدينة الريحانية، وتعرفنا على رجل تركي من أصل سوري اسمه "أبو عثمان". رجل طيب، وفقير، وعنده استعداد دائم لمساعدة السوريين. بعد حوالي سنتين من الصداقة معه سمعنا أنه عندو محكومية، وخلال أيام لازم يروح عَ السجن.

قال العم أبو محمد: هيك واحد لا يمكن يرتكب غلط يروح فيه عَ السجن.


قال كمال: العم أبو محمد معه حق، وأنا لما خبرني أبو عثمان أنه رايح عَ السجن استغربت كتير، وسألته عن السبب، فقال لي إنه، قبلما يتزوج، كان معه شوية فلوس، وبقي قاعد بلا شغل خمس أو ست أشهر حتى بلغ الإفلاس، ووقتها طلع يدور على شغل.. ويبدو أنه منحوس متل أخونا "أبو الجود"..

قال أبو الجود: لا تقول (متل)، لأنه (متل) نحسي أنا ما في.

قال أبو جهاد وهو يضحك: نحسو ماركة مسجلة. إذا ضاقت عليك الحدود، عليك بنحس أبو الجود.


قال كمال: المهم أبو عثمان، متل كل المناحيس، جرب العمل في مصالح مختلفة، والمردود ضعيف، إلى أن أجا واحد من رفقاتو اسمه "مرات" وقال له:

- تعال نشتغل بتهريب البنزين السوري.
هون أبو عثمان ضحك وقال لي: إنتوا السوريين ما في عندكم شي ما بيتهرب.

المهم أبو عثمان ومرات اشتغلوا بتهريب البنزين، وصاروا يربحوا بشكل جيد، لأن البانزين السوري كتير رخيص مو متل التركي. ومرة من المرات كانوا جايبين حمولة بيك أب بنزين، شافوا دورية جندرمة واقفة قدامهن. أبو عثمان عم يسوق البيك أب وشريكو مرات قاعد جنبو، فخطرت لُه فكرة الهرب. قال لحالو: هلق بجي على الدورية وأنا مسرع، وبضرب القواميع البلاستيكية اللي حاطينها لقطع الطريق وبمرق منهم.


قال أبو محمود: بركي أطلقوا عليه النار.

قال كمال: هون ما بيطلقوا النار في متل هالحالة. المهم أبو عثمان نفذ الفكرة، ولكن، باعتبارو منحوس (متل أبو الجود) انفجر الدولاب الخلفي للبيك أب، وانقلب على قفاه متل الصرصور. الشرطة تقدموا باتجاه البيك أب، وتمكنوا من إخراج أبو عثمان وشريكو الجريحين من داخل الكابين، وطلبوا لهم الإسعاف، ونقلوهم على مستشفى أتاتورك القريب من أنطاكية، وبقيوا شي تلات أيام وطلعوا لأن جروحهم كانت سطحية.


قال أبو الجود: لحد هون كويس. ولكن على سيرة النحس، أنا لو كنت مكان أبو عثمان كان البنزين اشتعل وانحرقنا أنا ورفيقي والشرطة!

قال كمال: المهم استدعاهم القاضي للتحقيق، وصارت عدة جلسات، وأصدر الحكم عليهم بالحبس سنتين، منشان التهريب، ومنشان عدم إطاعة رجال الشرطة.

قلت: أظن أننا لازم نرجع لحديثنا الأول. كنت بدك تحكي لنا عن السجن.

قال كمال: خلال السنتين كان من حق مرتو لأبو عثمان وأولادو يزوروه من فترة الظهيرة وحتى المساء، ويقعدوا مع بعضن في مكان يشبه الحديقة العامة مخصص للزيارات، وأثناء ذلك بيشووا لحوم إذا بدهم وبيشربوا شاي وبياكلوا فواكه وموالح. ولا يحق لأي شرطي أن يقترب منهم أو يزعجهم. وكان من حق السجين أن يأخذ كل شهرين إجازة لمدة أسبوع يمضيها مع أسرتو، وإذا عندو إمكانية يثبت لإدارة السجن بعدما يرجع أنه أمضى الإجازة في مكان آخر غير مدينتو، ويجيب ورقة مختومة من القائمقام في المدينة التانية كإثبات، بتصير الإجازة عشرة أيام بدلاً من الأسبوع.

وللحديث صلة..
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...