شجون الكتابة في دائرة

شجون الكتابة في دائرة

05 فبراير 2019
+ الخط -
يقول إميل سيوران: "أن تكون إنساناً حديثاً هو أن تبحث عن عقارٍ لما أفسده الدهر"..
سنبدأ مقالنا بما عنونت به صحيفة عربية مقالها بعد الحدث الرياضي المهم، ونقصد به نهاية كأس آسيا: "خسارة المنتخب الياباني"!.

ومما لا شك فيه أن الإعلاميين تناولوا هذا الخبر بالنقد من وجهة نظر إعلامية ناقدة وساخرة، لما يحمله هذا الخبر من تغييب عقلي علمي لأصول الخبر واجترار لمشاعر ذاتية يجب أن تنحى في العمل الأكاديمي.

وبعيداً عن الرياضة نتساءل وبحق: هل استطعنا تطوير مهارة الخطاب بما يليق بتطورنا؟ وهل استطعنا إيصال ما نريد عبر اللغة؟ أم أنها سلسلة مقالات وخطب ما زالت عاجزة عن تلبية ما نبغي من أقوالنا؟!


"الخطاب والمخاطبة مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطاباً، وهما يتخاطبان"، ويعتبر الجرجاني أنه: "لا يخلو السامع من أن يكون عالماً باللغة وبمعاني الألفاظ التي يسمعها مستطلعاً، أو يكون جاهلاً بذلك، فإن كان عالماً لم يتصور أن يتفاوت حال الألفاظ معه فيكون معنى اللفظ أسرع إلى قلبه من معنى لفظ آخر، وإن كان جاهلاً كان ذلك في وصفه أبعد".

ويعرف فن الخطاب بأنه: عملية توجيه الحديث أو الكلام لشخص أو لمجموعة من الناس بغرض إيضاح فكرة معيّنة، وينشط استخدامه في المجالات العلميّة، والأدبيّة الشعريّة، والفنيّة، والسياسيّة وغيرها، ويتمّ تحليله بمناهج عديدة.

وقد كان ولا يزال للخطاب أهمية كبيرة في حياتنا، وتتمثل تلك الأهمية بالتأثير الكبير لمفردات ذلك الخطاب على المتلقي أينما كان، وكيفما كان.

ويُعتبَر الخطاب مَجموعة مُتناسقة من الجمل، أو النصوص والأقوال، أو هو منهج في البحث في المواد المُشكّلة من عناصر متميّزة ومترابطة، سواء أكانت لغة أم شيئاً شبيهاً باللغة، ومشتمل على أكثر من جملة أولية، أو أيّ منطوق أو فعل كلامي يفترض وجود راوٍ ومستمع وفي نية الراوي التأثير على المتلقي، أو نص محكوم بوحدة كلية واضحة يتألف من صيغ تعبيرية متوالية تصدر عن متحدث فرد يبلغ رسالة.. فالخطاب شكل من أشكال الممارسة الاجتماعية الهادفة للوصول إلى عقل المتلقي، أو الجمهور بصورة أشمل.

إن ظهور بعض المصطلحات المعاصرة والمفاهيم المتناولة من بعض المفكرين أثر بشكل ملح على تغيير هيكل الخطاب وأسلوبه، وحتى اللغة أصبحت مطواعة لتلبي ظهور تلك المصطلحات واستخدامها في التعبير عن الأفكار.

ولذلك فإن ثقافة الكاتب ستبدو حاضرة في أي مقال أو خطاب يخصه، لأنها ستُقرأ عبر السطور، وستتضمن مخزونه المعرفي الذي اكتسبه، أو لنقل سعى لاكتسابه لتطوير خطابه، إن كان هذا التطوير يعنيه.

وكما بدأنا بسيوران وضرورة تجاوز الأمراض الفكرية التاريخية التي أنهكتنا، فإننا ننهي بمقولته العظيمة: "لا يسكن المرء بلاداً، بل يسكن لغة. ذلك هو الوطن ولا شيء غيره"، هي اللغة التي تنسج ثوب الكلمات، فهل ندرك أهميتها ونسعى لصونها؟!
8208D0E6-2CD2-427A-A70D-51834F423856
يسرى وجيه السعيد

حاصلة على دكتوراه في فلسفة العلم من جامعة دمشق. ومدرسة سابقة، في قسم الفلسفة بجامعة حلب.