أُمَّةٌ شِعارُها "القاف"

أُمَّةٌ شِعارُها "القاف"

03 فبراير 2019
+ الخط -
لِنتفق، بادئ الأمر أن الأُمَّة الإسلامية العربية قد يخُونها الشكل لتصبح أَمَةً، جارية، فتاة شارع، يتقاذفها على قارعة التاريخ زبائن على شكل "رجال" كُثر: شُقرُ الشعر برتقاليو البشرة..

أولهم "قارونٌ" جديد يسكن البيت الأبيض، مزهُوٌ بنياشينِه البنكية في "وول ستريت". وآخرهم قيصر روسي مُزور يضع قلنسوة نووية. يَبتزّ بها أحد رؤساء الجارية وهو شبه "فرعون" جديد باهت إلى منعدم الكاريزما، يضع صفرا على رأسه ووجوده. اللهم شرف إشرافه على بيت الله الحرام ظلما وعدوانا..

هذه الأُمَّة بعد أن استغلها هذان الزبونان المحتكران لسوق البغاء الرجالي، و بعدما مسحوا فيها أرجلهم المتقيحة من فرط ارتدائهم لحذاء عسكري قديم، بالٍ، عَفنٍ بسبب لا عدالة ولا أخلاقية الحروب التي حارب فيها ولأجلها.


بعدما يصيبها كل ذلك وأكثر. قد تتعرض هذه الأمة لِتَشَوُهٍ خِلْقِي، خلاله تغرق في أمارات جهلِ مُدقع، جميل براحته. فيستدعي هذا الجهل توأمه الآخر "الأنتيم". لتمسي معاناتها مضاعفة أبدية مريرة مع الجهل بالجهل، وبالتالي تصير أُمةَ أُميةً عمياء. تسير بسلاسة، بل تقفز سريعا وبدون قفزات واقية إلى مستنقعات التاريخ البشري -عدد جوائزها في نوبل، ناهيك عن كمية إنجازاتها الرياضية في التظاهرات العالمية يشهدان على ذلك-. فما يبقى لها بعد ذلك إلا التنعم بالتخلف الخاسر غير مأسوف عليها.

لكن أقبحَ وأقسى ما قد يقضي على الأمة، هو أن يُقدرَ عليها مرض على شكل متلازمة مزمنة اسمها "حرف القاف" البغيض اللقيط أينما تموقع وتموضع: أولها حين يكون قادتها هم "قُوادها" الذين يبيعونها بنفطها وغازها و"فوسفاطها" بأبخس الأثمان إلى دول لقيطة. وُلدَتْ من رحم الهنود الحمر المُغْتصَبِ منذ أربعة قرون خلت. فاختاروا لها من الاسم أقدحه وهو العالم الجديد.

أمارات عقدة القاف هذه تظهر بقوة، حين يكون فقهاء الأمة وقساوستها قساة. غلاظ القلب. قليلو العلم والحِلم والحيلة. لا يقبضون على الدين إلا من أقصاه. يقومون الليل كاملا. تاركين قضايا القوم الكبرى، تمشي في النهار مقوسة المبادئ، قصيرة النظر في ما يخص مصالح العباد اليومية. قُومُوا بتقييم بسيط للأزهر الشريف. ستلتقون بـ "البابا" المتربع على قمته، حتى تتيقنوا أنه قد بلع لسانه في إحقاق حق أهل مصر في الكثير من النوازل. حين ظُلِمَ أناس أرادوا التنفس بحرية والأكل بشهية.

أيضا، من الأعراض الخطيرة لمتلازمة القاف في أمتنا المساوقة للذي سبق. نجد التصفيق للحقيرين من طرف فقاعات إعلامية غير مؤدبة، عُمر(و)ها وخُبثها لا يُقارن بمكر الذئب.

ما دامت تخنق أصوات المقصيين وهم أصحاب حق. الأدهى أنها تقصي أقوال المخنوقين التواقة للمضي قدما في تكريس دولة الحق والقانون. فكيف ترجو خيرا من أمة تقمع أولادها حتى الأبرار منهم؟

لا تأمل خيرا أيضا، حين يكون قديسو هذه الأمة قابعين في قاع النسيان والإهمال والقهر والإعتقال، وهم القادرون على تقديم تقديرات ثقافية وعلمية، تٌقللُ فرص الضياع، التقهقر والانهيار السريع.

من يسمع اليوم بالمفكر "المهدي المنجرة" أحد هؤلاء؟ مع ذلك أصبح مشهورا، ربما لأنه صار كبير الحجم بابتلاعه الكاميرات المسلطة عليه، أما الأكيد فهو قضاؤه -هو أمثاله- على كل مقتضيات الأخلاق النبيلة، مع الإجهاز الكلي على مقومات الأذواق الموسيقية الراقية.

وذلك حين أصبح إيقاع تلك الأغاني ومقولاتها مقياسا للقبح المجتمعي في تعايشه مع البؤس والفقر والقحط القيمي. فلم يقوَ هذا الفن ولا التعليم ولا السياسة ولا الاقتصاد على الرقي بالإنسان العربي. بل تفننوا جميعا في تكريس الضآلة والضحالة العربية قبالة باقي الأمم.

كيف لا ونحن أمة تفقر المقهورين، تقهر الفقراء، ترفع مقام الحمقى، تسقط قامات مواطنيها بقوة القانون الظالم. فتسطو على قبس المستيقظين الحالمين فيه، لتطفئه (نسب البطالة أصدق شاهد) ليصيروا عرضة للقنوط وفي عهدة أقدح وأقبح القلاقل النفسية والاجتماعية، منتظرين قيام الساعة. راجين ألا تتأخر أو تنقلب، كما تفعل قطارات ومشاريع التقدم في الدول العربية.