ظرفاء سورية وجريدة الكلب

ظرفاء سورية وجريدة الكلب

26 فبراير 2019
+ الخط -
أتينا في جلسة "الإمتاع والمؤانسة"، التي أقيمت في منزل الخال أبو جهاد بمدينة "الريحانية" التركية، على سيرة الأدباء الظرفاء. وحكينا عن ممدوح عدوان ونجاة قصاب حسن وصدقي إسماعيل وغازي أبو عقل.

توقفنا عن الكلام بناء على طلب أبو جهاد عندما تلقى إشارة من زوجته بأن العشاء أصبح جاهزاً في الغرفة الأخرى.. وبعد عودتنا إلى غرفة الجلوس استأنفنا الحديث حيث كانت هناك رغبة من قبل الحاضرين في إغناء الحديث، وإضاءة الشخصيات التي ذكرناها ببعض الحكايات والشواهد.

قلت: الحقيقة أن صدقي إسماعيل كان من أكثر الشخصيات المرحة أهمية وإثارة في تاريخ سورية. هو من مواليد اسكندرون 1924، وعاش في دمشق وتوفي سنة 1973. وأصبح رئيساً لاتحاد الكتاب العرب لمدة سنتين فقط قبل أن يلتصق علي عقلة عرسان بكرسي الاتحاد لمدة 34 سنة. وعلى الرغم من مؤلفاته الأدبية الكثيرة، فقد اشتهر بصحيفته الهزلية التي تحمل اسم "الكلب".


نظر إلي العم أبو محمد باندهاش، وقال لي: الكلب؟ عن جد في جريدة بتحمل هذا الاسم؟ وليش بقى أطلق عليها اسم "الكلب"؟
قلت: هذا السؤال وُجه ذات مرة إلى صدقي إسماعيل فأجاب: الكلب هو الكائن الوحيد الذي يحق له أن ينبح، من دون أن يُلْزِمَهُ أحدٌ بشيء.
قال أبو الجود: هذا الجواب ذكرني بحادثة ظريفة. بتسمحوا لي أحكيها لكم؟
سارع أبو جهاد إلى ممازحة أبو الجود جرياً على عادته، قائلاً: احكِ، إن شاء الله بيجي يوم بتحكي فيه على وجع ضرسك.

قال أبو الجود لأبي جهاد بنفس الطريقة الممازحة: صحبةً.
وقال لنا: في سنة من سنوات الثمانينيات، ومع ازدياد الفقر والنحس والقهر وكمّ الأفواه، كثر الإقبال على سفارات الدول الأوروبية، وصار الناس يقفون بالدور منذ الصباح الباكر وحتى موعد انتهاء الدوام الرسمي للسفارات عسى أن يحظى واحدهم بـ فيزا تؤمن له خروجاً آمناً من مستنقع النضال ضد الإمبريالية. وقد لفت أنظار الناس أن كلباً جعارياً كان يأتي إلى حيث يصطف الناس في الطابور أمام إحدى السفارات، ويقف بينهم. استغرب السفير الأجنبي ذلك وخرج متجهاً نحو الكلب وقال له: هؤلاء الناس يريدون الذهاب إلى بلادنا من أجل تحسين عيشهم وعيش عائلاتهم. أنت لماذا تريد الذهاب؟
قال الكلب: أريد أن أعوي على كيفي، لأن العواء في بلادنا ممنوع!

ضحك الحاضرون لبراعة النكتة، وقال كمال: بالمناسبة، مسلسل أسعد الوراق الذي لعب بطولته هاني الروماني ومنى واصف، مأخوذ عن قصة لصدقي إسماعيل عنوانها (الله والفقر).
قلت: لئلا أنسى، أحب أن أقول، لمن لا يعرف، إن صحيفة الكلب لم تكن تشبه الصحف الأخرى حتى من ناحية الشكل.

قال أبو زاهر: يعني كيف كانت؟
قلت: الأخبار والتحليلات السياسية الموجودة فيها كلها مصاغة على طريقة الشعر الحلمنتيشي. وكان صدقي إسماعيل يكتبها على ورقة واحدة، من بابها لمحرابها، ثم يطويها وتبدأ إعارتها للأصدقاء الذين كانوا ينسخونها ويعيدونها إليه، ولم تكن تخضع لأي نوع من الرقابة.. وكان يساهم أحياناً في تحريرها كل من: وهيب الغانم، وأحمد إبراهيم عبد الله، ويحيى الشهابي، ونجاة قصاب حسن، وحسيب كيالي، وغازي أبو عقل، وكلهم من ظرفاء سورية.
ولقد فاتني أن أذكر لكم أن شعار مجلة الكلب هو بيت من الشعر هو:
إن خيرَ القراء مَنْ لا يضوجُ- ذَنَبُ الكلب دائماً مـعـووجُ

وللحديث صلة
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...