أدباء سوريون ظرفاء

أدباء سوريون ظرفاء

23 فبراير 2019
+ الخط -
في إحدى جلسات "الإمتاع والمؤانسة"، حدثنا الأستاذ كمال عن ظاهرة خفة الدم التي يمتاز بها عدد لا بأس به من الأدباء السوريين. قال:

- الأديب المرحوم ممدوح عدوان كان رجلاً مبدعاً، كتب الشعر والمسرح والقصة والرواية والمونودراما والأعمال التلفزيونية.. وكان لديه خصلة جميلة أخرى، وهي أنه إنسان خفيف الظل.. ولا سيما حينما يحضر في سهرات يجتمع فيها شبان وشابات، ويكون فيها طعام وشراب. بعد ابتداء السهرة بقليل يبدأ ممدوح بنشر الضحك والمرح.. ويكون ذلك بأن يقرأ أبياتاً من قصيدة لطيفة، سواء أكانت من شعره، أو مما يحفظ، ويغني، ويلقي بعض الطرائف، أو التعليقات الرشيقة.

قال العم أبو محمد: والله هادا شي كويس.

قلت: كويس بشكل عام، وفيما يتعلق بسهراتنا نحن الأدباء، أنا أرى أن وجود مثل ممدوح رحمه الله أمر ضروري جداً.

قال أبو إبراهيم مستغرباً: ليش بقى ضروري؟

قلت: لأنه إذا لم يبادر أحد الحاضرين لفتح جراب المزاح والتنكيت، فإن السهرة سرعان ما تنقلب إلى ما يشبه المركز الثقافي، أو مركز البحوث، أو قاعة محكمة الجنايات حينما يكون الجميع بانتظار صدور الحكم على المتهم.. ويبدأ الحاضرون باستعراض ثقافتهم ومفهومياتهم، ويصبح الهرب من السهرة هو أفضل الحلول المتاحة، أو كما يقولون في المشاجرات: الهرب ثلثا المراجل.

قال الأستاذ كمال: من جهة وجود أدباء ظرفاء بيننا، أرى أننا لا نختلف عن غيرنا من الشعوب، فقد قيل عن الأديب الروسي ميخائيل بولجاكوف إنه حيث كان يسهر يمتلئ المكان بالمرح والضحك. ومثله الأديب التشيكي البوهيمي ياروسلاف هاشيك صاحب رواية "الجندي الطيب". وفي سورية كان الظرفاء لا يقلون شأنا عن غيرهم، فهناك صدقي إسماعيل الذي ابتكر مجلة الكلب، وكان ضليعاً بنظم الشعر الحلمنتيشي، ومثله الأستاذ غازي أبو عقل، واشتهر المحامي نجاة قصاب حسن بالظرف والسعي لتصيد الطرائف والمواقف الفكاهية وإدخالها في سياق مؤلفاته بقصد أن يخفف عن القارئ جفاف المادة الأكاديمية الجادة، ومعروف أن نجاة قصاب حسن اشتغل على موضوعين خطيرين فيهما منفعة كبرى للمجتمع السوري، الأول تعميم ثقافة تحديد النسل، والثاني إصدار قانون إيجارات جديد، بعد أن تحول قانون الإيجارات القديم إلى عالة على المجتمع، ووسيلة لتمكين ضباط الأمن والحرس الجمهوري (وقبلهم سرايا الدفاع) من مصادرة بيوت الناس والسكنى فيها إما مجاناً أو بأجرة تافهة.. 

قلت: اسمح لي أستاذ كمال أن أقاطعك وأروي حادثة للأصدقاء فيها تلخيص لشخصية المرحوم نجاة قصاب حسن. أنا أذكر جيداً، ذات مرة، دخل الأستاذ نجاة إلى استديو التلفزيون السوري للمشاركة في برنامج عن تحديد النسل، وبدأ كلامه بالقول: إن بإمكان المحامي العام بدمشق أن يصدر الآن مذكرة توقيف بحقنا، أنا ومذيعة البرنامج والمعد والمخرج، بتهمة مخالفة أحكام المادة (رقم/ تاريخ) التي تنص على حبس كل من يروج لمنع الحمل وتحديد النسل في الجمهورية العربية السورية. وكان يريد من خلال هذه الدعابة أن يوجه رسالة يشير فيها إلى التناقض الغريب الموجود في دولة كل قسم منها يعمل من تلقاء نفسه. فوزارة الإعلام أصلاً وهي تسعى إلى تحديد النسل لا تعرف، وأنى لها أن تعرف أن الشيء الطبيعي أن يجري إلغاء تلك المادة أو تعديلها على الأقل قبل إطلاق حملات تنظيم الأسرة وتحديد النسل. 

وللحديث صلة..

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...