جشع الأطباء!!

جشع الأطباء!!

19 فبراير 2019
+ الخط -

جشع الأطباء المرضى مادياً، أثار حنق الكثير من المرضى في صور بغيضة ومخجلة، في رفع أسعار الكشف الطبي كيفما شاؤوا، وحتى في طريقة معالجتهم لأبسط الحالات التي يعانون منها، وخروجهم نهائياً عما يُعرف بقَسم أبقراط، وشعاره الذي ارتبط بأن مهنة الطب، قبل كل شيء، إنسانية محضة، وهذا للأسف غير صحيح، ما يعني أنَّ أغلب الأطباء، أخصائيين وعامين صاروا يُطالبون المريض بمبالغ فلكية، وبصورةٍ خاصة في هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها المواطن في مدينة الرَّقة وريفها من غلاء فاحش ومستشر، وهو بالكاد يحاول تأمين ثمن الدواء، وبطرق شتى!

طبيعي أن ما نتحدث عنه اليوم، لا يتوقف عند الرَّقة كمدينة سورية، وإنما يشمل كافة المحافظات والمدن التي صار يعاني المريض فيها من ارتفاع تسعيرة الكشف الطبّي، ولا سيما أنها بعيدة عن أي رقابة صحية تحاول لجمها وردع الكثير من المخالفات التي ترتكب من قبل الأطباء بحق المرضى!

ومنها ما استوقفني وأثار فيّ الكثير من الغرابة، وهو أن أحد الأطباء الأخصائيين، المعروفين، وبدون ذكر الاسم، سبق أن راجعه أحد المرضى متالماً في صباحات أحد الأيام، في بيته، في ريف الرَّقة الغربي، مكان إقامته، وطلب من المريض قبل معالجته دفع مبلغ أربعة آلاف ليرة سورية لقاء وخزه إبرة "ديكلون"، والغريب أن الطبيب له اسمه وسمعته، ناهيك عن أن المريض تربطه صلة قرابة بالطبيب من الدرجة الأولى!


وهناك أعداد قليلة جداً من الأطباء الذين حافظوا على شرف المهنة، ولم يكن المال يعني بالنسبة إليهم يوماً هدفاً أو غاية، ولكن أين هم اليوم؟ فالطب، وكما ذكرنا مع بداية حديثنا، مهنة إنسانية وأخلاقية قبل كل شيء، ومع الأسف أنَّ هناك ما نسبته 90% من الأطباء فقدوا إنسانيتهم وبرروا لأنفسهم الإثراء الفاحش على حساب عوز وحاجة الفقراء المساكين المرضى، ولزيادة ما يكتنزون من مال لجأ أغلبهم إلى العمل في تجارة العقارات، وشراء المزارع، فضلاً عن زيادة عدد الآليات المستثمرة، وامتلاكهم أسطولا فاخرا من سيارات التكسي.

وفي إحدى الحالات المماثلة سبق أن تعرض أحد المرضى في إحدى المدن السورية إلى ابتزاز آخر رغم انتقال المريض إلى الرفيق الأعلى... ففي إحدى الليالي تم إسعاف أحد المرضى ليلاً إلى أحد المستشفيات الخاصة، ووضع في غرفة العناية المشددة، "المنْفَسة"، بسبب تدهور حالته الصحية، وطلب محاسب المشفى من أهل المريض مبلغ 95 ألف ليرة سورية عن كل يوم يقضيه في المشفى، والمريض بالكاد يملك ما يسد الرمق، رغم أنه من المتضررين من الحرب السورية وفقد بيته وأثاث منزله ولم يبقَ لديه أي شيء يملكه، وبعد ثلاثة أيــــام من دخوله المشفى توفي المريض ووقف أهله في حيرة حيال تأمين المبلغ لقاء تكاليف دخول المستشفى ليسمح لهم بإخراجه منها، ما اضطر أهل الخير إلى جمع مبلغ كلفة مبيت الأيام الثلاثة التي قضاها في المستشفى، وبعدها نقل إلى مثواه الأخير.

هذه حالة من الحالات الكثيرة التي يتعرض لمثلها المرضى في المشافي الخاصة، وللأسف، ومن قبل الأطباء الذين لا يؤمنون إلّا بالمال مهما كانت حالة المريض عصية على الشفاء، وإن الكثير من أطبائنا اليوم انسلخوا عن واقعهم ومجتمعهم وباتوا يعيشون في أبراج عاجية!

وفي هذا المقام أقولها، وبكل صدق، إن ما نقف عنده هو عين الحقيقة، ويعرفه معنا كل من سبق له أن عالج مشكلة صحية ألمّت به لدى أمثال هذه النُخبة من هؤلاء الأطباء الماديين!

وإن الصورة حيال هذه المسألة لمسها غيري كما لمستها أنا شخصياً، قبل الأزمة التي حلت بسورية، وفي الوقت الحالي استشْرَت بصورةٍ مخيفة... فأي ضمير وأي مهنية يتشدّق بها أطباؤنا الذين لا هدف لهم سوى جمع المال بدلاً من الاهتمام بشفاء المرضى!

وإذا ما حاولت أن أضيف أيضاً إلى ما ذكرت، فإنَّ جشع أمثال هؤلاء وغيرهم، والتكسب بطرق طبية، والالتفاف بذريعة معالجتهم صار يعرفها عامّة الناس.. ليتق هؤلاء الله في واقع أهلنا المزري والفاقة والعوز الذي يعيشون!!

لن نطيل أكثر، ما يمكن أن نقوله، باختصار، في هذه العُجالة هو: يجب أن يحافظ الطبيب على مصداقيته أولاً، وأن يعامل المريض كإنسان، ما دام أنه درس الطب لخدمة المرضى وليس من أجل جمع الملايين لقاء معالجتهم، وهذا ما هو معمول به، اليوم، وللأسف!

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.