القيصر ووزير الأوقاف

القيصر ووزير الأوقاف

11 فبراير 2019
+ الخط -
نبارك لقيصر الغناء العربي كاظم الساهر، تثبيت لقبه (الساهر) في الأوراق الرسمية، وتغييره من السامرائي إلى الساهر. طلب القيصر تغيير اللقب لسبب وجيه؛ فشهرة القيصر العالمية اقترنت بلقبه "الساهر"، وتغيير اللقب يمنع اختلاف أوراق القيصر الشخصية.

حصل الساهر على موافقة وزارة الداخلية خلال 24 ساعة، وبذلك انتقل الاسم رسميًا من "كاظم جبار إبراهيم السامرائي" إلى "كاظم جبار إبراهيم الساهر"، ليصبح اسمًا على مسمى. تباينت ردود متابعي كاظم الساهر على مواقع التواصل؛ فمنهم من وافق ومنهم من اعترض، واعتبر المعارضون لتغيير اللقب أن الساهر يتنكر لأصله، وكل واحد ودماغه!

لكن وزير الأوقاف له رأي آخر، وتمتم في سره: "ما شاء الله! أرزاق مقسمها الخلاق!" وقبل أن تورطني معك بتصوراتك؛ فإنني لا أقصد أي وزير على قيد الحياة، حتى وإن كان وزيراً سابقاً أو أسبق، بل وزير أوقاف انتقل إلى الدار الآخرة، ولكنه الآن يحسد كاظم على سرعة الاستجابة لطلبه، والإنجاز في تغيير الاسم في وقت قياسي.


يفترض أن أحلام الوزير أوامر واجبة التنفيذ، لكن هذا الوزير لم يجد من يسرِّع وتيرة أوراقه، أو من يعمل على (تشهيل السفرية) بلغة السكة الحديد! لكن ما جرى مع الشيخ الباقوري حكاية لها العجب؛ فعند تقدمه لشهادة التخصص سنة 1935، طلب من مديرية أسيوط تعديل اسمه، وانتظر الرد بالموافقة لمدّة..

كان اسمه "أحمد حسن أحمد عبد القادر بدوي"، وأراد تغييره أو اختزاله إلى "أحمد حسن الباقوري"، ولقب الباقوري نسبة إلى قرية باقور مسقط رأسه. وبعد 19 سنة، أرسلت مديرية أسيوط إخطارًا رسميًا بالموافقة على تغيير الاسم، واستقبل الباقوري الموافقة وهو يومها وزير الأوقاف!

لا أعلم كيف استقبل الباقوري هذه الموافقة، وربما يكون قد نسي أمرها بالمرة، ولا تستطيع التنبؤ بأن الموافقة جاءته بعدما جلس على كرسيّ الوزارة؛ لأنه كان وزيرًا قبل أن تصله الموافقة بعامين. ولو كان الباقوري حيًا اليوم، لضرب كفًا بكف، وعاتب المسؤولين على تعاملهم مع طلبه بسرعة أقل مليوني مرة من سرعة السلاحف.

والحدث ذو شجون؛ فأيام الدراسة بكلية العلوم، كان لي صديق يتبرم من لقبه "شمردل". كان يدافع عن اللقب في غير هوادة، ويفسّر معناه بحرارة وعصبية؛ فالشمردل الشخص الصبور، والناقة الشمردلة هي الجميلة الحسناء الخَلق القوية الحركة، ويحيل الساخرين على ابن منظور صاحب لسان العرب، وأبي الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني، ويتغنى بشاعرية الشمردل بن شريك التميمي، ويفتخر بأنه زار مسجد السلطان شمردل ببني سويف، وترأفُ لحاله وتدمعُ عينك من شدة تأثره وانفعاله.

لكنه إذا اطمأن لعدم وجود غرباء زفر طويلًا وصبَّ لعناته على الشمردل وسنواته. وفي سكشن الكيمياء، دخل شمردل فرحًا، وأسرَّ إلينا أنه أخيرًا وجد الفرصة لتعويض ما فات، وسيغيِّر اسمه لا محالة. قدَّم طلبًا إلى السجل المدني لتغيير اسمه، وأرفق شهادة حسن سير وسلوك "فيش وتشبيه"، والقيد العائلي ووثيقة زواج والديه، وصورة بطاقة الرقم القومي، وحقيبة منتفخة الأوداج من الأوراق المطلوبة.

شرح شمردل للّجنة المسؤولة ما يجده من سخرية وألم نفسي، ولم يغفل الإشارة إلى قبح الاسم والصورة معًا في الرقم القومي! وبعد عناء طويل ولفّ ومشورة وشحططة فوق الشهرين، تمكن صاحبنا من مفارقة لقبه "شمردل" على الأوراق، وإن ظل ملازمًا له بين معارفه القدامى، وحاول أن يتبرأ منهم لينسى أيام الشمردل! وتمرّ السنون ليدفع الشيخ محمد بن راشد ثلاثة ملايين دولار لشراء "شمردل"، وشتان بين شمردل كلية العلوم وشمردل حاكم دبي!

محظوظ صديقنا شمردل - سابقًا - فهو أسعد حظًا من الباقوري، لم يستغرق تغيير اسمه وقتًا يذكر مقارنة بالباقوري، والقيصر أسعد حظًا منهما ومن غيرهما؛ فقد غيَّر لقبه خلال "سويعات". مرة أخرى نبارك للقيصر، ونرجو التوفيق لكل من يختار اسمًا لابنه أو ابنته؛ فإن التغيير ليس بالأمر اليسير.

دلالات