حرب اليمن... رؤية من الطرف المشرق!

حرب اليمن... رؤية من الطرف المشرق!

04 ديسمبر 2019
+ الخط -
رب ضارةٍ نافعة، ورب حربٍ طغت على قوم فتصير لهم بعد زمن نافعة ورافعة. رب صفعة على الخد تعلّمك ما لم يعلمك فيه المدرسون والأهل لسنوات!!
خرجت من اليمن في 2014، كان البعض يسألني عن هويتي فأجيبه أنني من اليمن، فيسألني باستغراب: وأين هي اليمن؟ .. كان سؤالهم ذلك يستفزني، لكن بعد أن بدأت الحرب في اليمن عرفني الجميع!.. لم يكن أحد يعرف أين نحن يا قوم، فلماذا تكرهون الحرب التي عرّفت العالم بنا؟!

الحرب قالت للعالم إن هناك دولة تعيش معه، دولة تشرق شمسها من أطراف عُمان وتسدل أستارها مع أمواج البحر الأحمر، دولة تأتيها رائحة الكعبة من جهة الشمال ويغطي جنوبها خليج عدن.. الحرب قالت للعالم إننا نعيش معه فلماذا تكرهونها؟!


لو نظرتم إلى الجانب المشرق للحرب لاكتشفتم أنها عرفتنا بحقائق لم نكن نعرفها، عرفتنا عن الطوائف التي حكمت اليمن من قبل وأصولها وأهدافها، عرفتنا عن اللعب السياسية التي كنا نحن الملعب فيها وما زالت تشرح الدرس لنا ما بين فترة وأخرى.

لم ينته الدرس يا قوم، وكل ما تطلبه منا الحرب هو أن نركز على الدرس جيداً حتى لا تضطر لشرحه مرة أخرى!

أعترف أن الانقلابات والحروب شردتنا.. ولكن لو نظرتم إلى الطرف المشرق من التشرد لرأيتم أننا اكتسبنا خبرات كثيرة. تخيلوا معي عند عودة المواطنين اليمنيين بعد سنوات من كل أصقاع الأرض إلى وطنهم. تخيلوا عشرات الآلاف من المهندسين والأطباء والخبراء والإداريين والمستثمرين وهم عائدون لبناء اليمن الجديد، حاملين معهم علمهم وأموالهم وخبراتهم التي اكتسبوها من دول العالم المختلفة، تخيلوا معي حجم النهضة التي سيعيشها اليمن.. حجم تلك الخبرات وهي تستخرج ثروات اليمن وتستثمرها.. حتماً ستجدون حينها يمناً شامخاً.. دولةً متقدمة.. مزيجاً رائعاً من الخبرات والثقافات. ألا تتخيلون معي حجم تطور اليمن حينها؟!

أراكم متشائمين من الانقلابات التي تحصل .. لماذا أنتم سلبيون إلى هذه الدرجة؟! الانقلابات ليست سيئة إلى تلك الدرجة التي تتخيلونها، إنها تعلمنا دروسًا لم يعطها لنا أحد. انظروا إلى تركيا.. هل تظنون أن تركيا وصلت إلى هذا القدر من التقدم بكل هذه البساطة؟

منذ عام 1960 حتى نهاية التسعينيات وتركيا تعيش العديد من الانقلابات. صحيح أن تركيا تضررت كثيرًا بسبب تلك الانقلابات التي حصلت لكنها علمتهم الكثير. علمتهم بعد عقود من الاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية أن الانقلابات ليست الطريق الصحيح للوصول إلى الحكم، علمتهم أن دول العالم كضرائر لزوجٍ واحد، ما إن تحصل أدنى مشكلة لإحداهن حتى تفرح البقية لذلك. علمتهم أن الانقلابات لا تعني قلب الحكومة فقط بل تعني قلب كل شيء رأسًا على عقب.. قلب الأمن والاقتصاد والنظام وكل شيء، فمع الانقلاب يختلط الحابل بالنابل؛ لهذا السبب عندما حصل انقلاب 15 يوليو/ تموز لعام 2016 خرج الشعب التركي بأكمله ضد الانقلاب. حتى من كانوا ضد الحكومة حينها خرج.. لماذا؟ لأنهم فهموا الدرس جيدًا ولا يريدون إعادته مرةً أخرى.

سيعود اليمن من جديد لا محال، قصر الزمن أو طال. سيرجع اليمن عظيمًا وكبيرًا. سيليق اسم "اليمن السعيد" به أيما لياقة. سيعود الخير أفضل مما كان من قبل. سنعود جميعاً إن شاء الله إلى اليمن مفتخرين ببلدنا ولكن بعد أن نفهم الدرس جيدًا.. بعد أن نفهم كل تلك اللعب السياسية التي خططها الآخرون ضد بلدنا.

استعدوا جيدًا للعودة. اكتسبوا أكبر قدر من الخبرات. تعلموا قدر استطاعتكم. اقرأوا الكثير والكثير فسيأتي يوم واليمن الكبير يناديكم للعودة، فلا تعودوا حينها صفر اليدين، بل عودوا أقوياء شامخين ولتكن جعبكم حبلى بالخير، فاليمن يستحق كل الخير.
عبد الرحمن الآنسي
عبد الرحمن الآنسي
مؤلف وروائي يمني مقيم في تركيا، له روايتان ومجموعة قصصية، وينشر في عدد من الصحف. يعبّر عن نفسه بالقول "اختلف معي لأراك، فقد مللت من رؤية صورتي في المرآة كل يوم".