الشعب في كوكب الثورة والسلطة في كوكب آخر

الشعب في كوكب الثورة والسلطة في كوكب آخر

02 ديسمبر 2019
+ الخط -
منذ عام 1992، بعد انتهاء فترة الحرب الأهلية في لبنان حتى اليوم، لم تحصل ثورة أو انتفاضة فعلية خارج الإطار الطائفي أو السياسي، وفي أول انطلاقة ثورة 17 أكتوبر/ تشرين الأول، اعتقد معظم من في السلطة أنها سوف تموت مع الوقت كبقية الحراكات السابقة..

مع مرور الزمن بدأت السلطة تتفهم أن ما يحصل ليس لعبة أو حراكا سوف يمر مرور الكرام، وهذا كتم من طرف الواعين في السلطة! أما الطرف الآخر فكان يحاول مرارا وتكرارا أن تموت فكرة الثورة، ويحاول إدخالها في الزواريب التي يرغب بها، ولكن الثورة كانت بالمرصاد بوعيها..

فمنذ حصولها والسلطة تعيش حالات انفصام مختلفة، تارة تستعمل منطق الكر والفر، وتارة تستعمل العنف، وتارة تستعمل الأساليب الأمنية، وتارة طرق التخويف، وتارة الأساليب الطائفية، وما زالت تحاول حتى اليوم.. حتى وصلت إلى منطق سياسة "التطنيش" حيث أن شيئا لم يحصل!.


السلطة اليوم مقسومة إلى قسمين، كل يرمي المسؤولية على الآخر، وما إن هدأ الشارع قليلا حتى بدأنا نرى ونسمع عن التسويات والمحاصصات في أي تشكيلة حكومية مقبلة، وكأن شيئا لم يحصل في الشارع!.

واليوم بدلا من أن تكون السلطة موحدة ومجتمعة لكي تحاول حل مشاكل لبنان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، قررت الاختلاف، وبدأت المناكفات بين بعضها البعض، وهذا الخلاف ورقة قوية بيد الثورة، حيث تذكر اللبنانيون مشهد ما قبل 17 تشرين.. فبقيت دينامكية الشارع، وهذا التناقض بين الطرفين حيث يختلفان على مصالحهما ويتفقان في الوقت عينه حسب مصالحهما.

لكن الشعب اليوم أكثر وعيا، حيث جميع هذه المشاهد أصبحت معروفة ولا يمكن تمرير ذلك عليه، لأن خبرته واطلاعه على الملفات السياسية أصبحت واسعة وشاملة، و معظم من في السلطة، وخصوصا من يتصرف كأن شيئا لم يحصل، سوف يتلقى الدرس بعد التكليف أو محاولة التكليف بطرقه وأساليبه، لأن الشعب الجائع سوف يكون له بالمرصاد ولن يقبل بحكومة تشبه كوكب ما قبل 17 تشرين الأول.

لهذا السبب فإن المرحلة المقبلة تعد حساسة جدا، بسبب عدم قبول البعض في السلطة للأمر الواقع الجديد، حيث تم استعمال وسائل مختلفة ذكرتها -سابقا- لإفشال الثورة، فمن الممكن أن نشهد مشاهد أكثر دموية! لأن كل الوسائل السابقة تم تجريبها ولم تنجح، ولم يتبق سوى خطة "الدم المدروس" أي جر الثورة إلى الدم والفوضى، ولكن بطرق مدروسة لا تشعل حربا (سنية - شيعية) ولا (مسيحية - مسلمة) لأنها ليست من مصلحة أحد، ولا أستبعد حصول عمليات تصفية أو اغتيال، تؤدي إلى خلخلة الوضع، ولكن ليس إلى حرب داخلية!.

الآن وبعد مرور حوالي 50 يوما والناس في الشارع والمؤسسات شبه مغلقة، وتسكير حوالي 400 مؤسسة من القطاع الخاص، وازدياد نسبة البطالة والفقر، والمصارف تشهد حالات هلع، والتجار مرتبكون، والأسعار مرتفعة، فمن غير الممكن إحداث خلل أو تسوية في ظل هذا العناد من قبل السلطة، وبالتالي الأزمة حتى اليوم طويلة، وجميع هذه العوامل تنذر بحالات انتحار وعنف وسرقة وفوضى.

بالأمس انتحر "ناجي فليطي" بسبب عدم تمكنه من شراء منقوشة لابنته، لأنه أصبح عاطلا عن العمل، واليوم يوجد أكثر من 800 ألف مواطن عاطل عن العمل.. روح ناجي وكل مظلوم في رقبتكم.

ألا يستحق كل هذا المشهد المأساوي انتقال السلطة من كوكب ما قبل الثورة، إلى الكوكب الذي نعيش فيه اليوم؟