إن لم يكن بأيدينا... فبأيدي من؟!

إن لم يكن بأيدينا... فبأيدي من؟!

16 ديسمبر 2019
+ الخط -
هذه مجموعة من الأفكار أو الخواطر، عرضت لي في سياق هذا العنوان، ليست مقاربة جديدة لسنّة الاستبدال، أو فتحاً في فقه التمكين، وليست بكل تأكيد مقالة واضحة المعالم حول التحرير وآلياته وغيرها، ولكنني هنا أفكر بصوتٍ عالٍ، حول فكرة المناصرة، وأجوبة متفرقة أو متصلة حول سؤال: إن لم تكن النصرة والدعم والتفعيل والتحريك.... والنصر – القادم بإذن الله- بأيدينا، فبأيدي من ستكون؟

(1)
ظلت فكرة تحرير القدس واستخدامها كمحطة في مسار القول أو الفعل، جزءًا رئيسًا من خطابات فئات كثيرة، من سياسيين وثوريين، وقادة في فصائل المقاومة، بل ومن بعض قادة الدول وغيرهم.. وهي من الأفكار التي عبرت الطوائف والأيديولوجيات، فترى الإسلامي والراديكالي واليساري والعلماني.. يجدون في القدس إطارًا مهمًا من بيان الموقف، وتبرير الفعل المتصل بالقضية، بل أصبح التحرير شعارًا بعيدًا من أي خطط واستراتيجيات واضحة على أرض الواقع.

وبعيدًا من تقييم هذه التصريحات أو الأقوال ومقاربتها من منطلقات شعبوية حينًا أو الشعارات التي تدغدغ العواطف، أو في أطر العمل الجاد الحقيقي -للكثيرين-، يظلّ مشروع التحرير وقبله تمكين المقدسيين ودعم صمودهم من أكثر الملفات التي يتم التقصير فيها على مستوى الأمة، بما لا يتصل مع حجم تناول قضية القدس في الميادين السابقة.. وهي حالة يتفاوت فيها المقصرون، ولكن لكل منهم نصيب وموقع. بأيدينا نعيد موقع القضية، والعمل للقدس.


(2)
نتحدث عن المخاطر التي تستهدف القدس والأقصى، ونكرر كثيرًا أن التهويد قد بلغ مراحل شديدة التغول، ونغرق في دراسة أرقام الهدم والاستيطان، وأعداد المقتحمين وأذرع الاحتلال القائمة على هذه المخاطر، وغيرها.. وكل ذلك للإضاءة على حجم ما تعانيه المدينة وأهلها.. وعلى الرغم من حالة التقصير العابرة لكل الأطياف التي ذكرناها سابقًا، يظل هناك بصيص أملٍ.

ففي لحظة فارقة، يُعيد المقدسيون رسم خيوط اللعبة من جديد، ويسطرون ملحمة تعجز عنها أمم وشعوب، يستيقظ هذا المارد الضخم، فيبدد قيوده، ويواجه تغول المحتل، فيرغمه على التراجع، فتتحول كل خطط الاحتلال وجبروته وجنده، إلى خيالات بالية، يدهسها أهل الثبات والحق تحت أقدامهم، فبأيديهم المتوضئة خلعوا البوابات الإلكترونية، وبهممهم الصلدة أعادوا مصلى باب الرحمة وواجهوا مخطط التقسيم الزماني، وبأدواتهم البسيطة أشعلوا انتفاضتهم المباركة.. مَن يخذلْهم يلقَ ثبورًا، ومن ينصرهم يرقَ دهورًا.. بأيدينا نصنع النصر.

(3)
كثيرون يلتحفون العجز ويقبعون في سراديب السلبية، سؤالهم الذي لا يبلى ماذا يمكننا أن نفعل؟ وماذا يمكننا أن نقدم؟ وحجتهم الدائمة منذ أن دبّ الوهن في القلوب والعقول، كيف لنا أن نواجه الاحتلال وهو يملك ما يملكه من أدوات وإمكانيات، وهي الدولة التي تقف خلفها دولٌ ورجال أعمال وتحالفات هائلة.. ولسان حال هؤلاء وبالعامية "ما طالع بإيدنا شي!".

والجواب واضح كالشمس، إذ إن آليات النصرة عديدة كثيرة، وعلى كلّ منا دور واضحٌ بيّن، ويجب علينا ألا نقوم بكل الأدوار المطلوبة والمنشودة، فليس مطلوب مني أو منك أن تكون إعلاميًا وباحثًا وكاتبًا ومتبرعًا بالمال ومحاضرًا وموجهًا و.. بل يكفي أن تكون واحدًا منهم فقط، أن نتقن الصنعة وأن ننصر القدس بإبداع وتفانٍ.

فاليد التي تخلع السوار وتقول هو فداء لإخواني، واليد التي تصنع الصورة لتصل إلى الآفاق، واليد التي تكتب وتؤطر الأفكار لتستنهض الناس.. تتكامل مع الأيدي التي تتشابك في باحات المسجد الأقصى، والأيدي التي ترفع المصحف في وجه المقتحمين، والأيدي التي تزيل ركام ما دمّره الاحتلال، والأيدي التي تصنع النصر.. بأيدينا جميعًا نحرر القدس..

(4)
تتصاعد معوّقات المناصرة بشدة في الأعوام الأخيرة، ويشكل التطبيع العربي مع الاحتلال أحد أخطر هذه العوائق، إذ يرمي المطبعون إلى إحداث تغيير في الرأي العام العربي، فيتحول الاحتلال إلى عنصر أساسي في تركيبة المنطقة، وتصبح العلاقات معه أكثر من طبيعية، فلا تصبح الزيارات أو المشاركات مع المحتلين جريمة، بل ممارسات طبيعية تربط بين "بلدين" تجمعهما أواصر وعلاقات.

ولا تكمن خطورة هذا الفعل في تطويع الشعوب، ومحاولات وأد العداء مع الاحتلال فقط، بل تكتنف مثل هذه الممارسات قمع أي أداة من أدوات النصرة الحقيقية، من تكميم الأفواه وصولًا إلى إيقاف التمويل بل والمشاركة في التآمر على الفلسطينيين في القدس وغزة ومختلف المناطق الفلسطينية المحتلة، فيتعاظم خطر التطبيع، الذي يحاول تطويع الشعوب وتغيير هويتها الحقيقية من جهة، ويقمع أي محاولاتٍ حقيقية لنصرة القدس والأقصى، فأي خطوة تزعج الاحتلال ستتحول إلى جريمة في قوانين المطبعين، ما يجعل مواجهة التطبيع نصرة للقضية بحد ذاتها. بأيدينا نواجه المطبعين وأذنابهم.

أخيرًا، يكتنف هذا الشعار "بأيدينا" صورة وحدوية لا بدّ منها، إذ نعيش في أيام يكثر فيها التشرذم والضعف، وتختلف الاستراتيجيات ودوافع العمل، فتتبدد الجهود ويقل التأثير، ما يجعل تشبيك الفعل الداعم والمناصرة أسًّا من أسس نصرة القدس والأقصى، وجزءًا لا يتجزأ من أي خطط طامحة تعمل لتحقيق إنجازات عملية على أرض الواقع.
31613475-73A0-4A3D-A2F9-9C1E898C5047
علي حسن إبراهيم

باحث في مؤسسة القدس الدولية. كاتب في عدد من المجلات والمواقع الالكتروية. عضو رابطة "أدباء الشام".