طبيب الأسنان وبائع الذرة

طبيب الأسنان وبائع الذرة

15 ديسمبر 2019
+ الخط -
احتجت إلى الذهاب لطبيب أسنان ذات يوم فذهبت إلى أحد أطباء التأمين الصحي الذي تكفله جهة عملي، وقال لي الطبيب: "إن كل ما في الأمر أنكِ بحاجة إلى إزالة رواسب جيرية من أسنانك، وإننا سنخاطب شركة التأمين لأخذ موافقة على ذلك، ومن ثم نزيل تلك الرواسب، ولو أمكن أن تنتظري بعض الوقت حتى نخاطب الشركة الآن ونحصل على الموافقة، أو نزيلها في وقت لاحق بعد التنسيق معكِ على الوقت المناسب لكِ"..

أخبرته أن وقتي لا يسمح بالانتظار وسأنتظر مكالمة منكم لتحديد موعد مناسب، وبالفعل اتصل بي موظف من العيادة بعد يومين قائلًا: "لقد حصلنا على الموافقة ولن تتحملي أية مصروفات"..

ولما وصلت إلى العيادة للمرة الثانية وعرَّفت الموظفة بنفسي وطلبي وشركة التأمين التي أتبعها أخبرتني أنني سأدفع 200 جنيه إذ إن الشركة لا تُغطي إزالة الرواسب الجيرية واطلعتني على لائحة الشركة، فأذعنت ودفعتُ ما طلبت، ورحت أتساءل في نفسي وأنا تحت يد الطبيب وهو يزيل الرواسب: "من أين يخبرني الموظف عند الاتصال بأنني لن أتحمل أية مصروفات، ثم يخبرونني الآن أن التأمين لا يغطي إزالة الرواسب الجيرية؟!"..


فطلبت إلى الموظفة الاطلاع على الموافقة بعدما انتهيت فأوصلتني بالطبيب فاعتذر عن سوء الفهم الذي حدث، ورد لي الـ (200 )جنيه التي دفعتها، وعندما اطلعت على نموذج طلب الموافقة بعد الرجوع إلى المنزل وجدت مكتوبًا عليه حشو ضرس وإزالة رواسب جيرية وأن الموافقة على حشو الضرس فقط، الأمر الذي نزل عليَّ كالصاعقة فزغلل عيني وعطل تفكيري لبعض الوقت بلا مبالغة فلم استطع النطق من هول ما رأيت من طبيب يكذب ويسرق ويغش بهذه السهولة، فلم احتج إلى حشو الضرس الذي سيتقاضى ثمنه (800 جنيه) من شركة التأمين، وكان يعزم على أن يتقاضى ثمن إزالة الرواسب مني لولا ارتيابي في الأمر واستقصائي له مما دفعني إلى إبلاغ موظف الرعاية الصحية في العمل بما حدث بعدما أكد لي أن التأمين بالفعل لا يغطي إزالة الرواسب الجيرية وأخبرته بكل أسف أنه رد إلي ما دفعت على الرغم من عدم تغطية تأميني الصحي ما أحتاج إليه، فشاركني الذهول، وشكرني على إبلاغه، واهتم اهتمامًا بتدوين الواقعة ليتخذ اللازم مع الطبيب.

ذكرَّني ما رأيت من طبيب الأسنان بما حدث لي مع بائع الذرة المشوية عندما سألته ذات مساء ما إذا كانت ذراه حلوة أم لا .. رد علي متأسفًا: لا. ولما سألته ثانيةً، في يوم آخر، ما إذا كانت ذراه حلوة أم لا هذه المرة .. رد عليَّ فرحًا: نعم. ولما أخبرته بأنني معجبة بأمانته قال:" أومال أكدب علشان كوز درة؟!"

فلمستُ من الحادثتين عدالة ربنا جلّ وعلا في قوله في سورة الحجرات: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، فمعيار الكرم والفخر عند الله هو التقوى والتقوى صفة في النفس تحمل الإنسان على فعل ما أمر الله والامتناع عما نهى عنه، وما رأيت من بائع الذرة- على رقة حاله- سوى سمو النفس وكرم الأخلاق بل خشية الله ومخافته على عكس ما لمستُ من طبيب الأسنان على ترف حاله!

3E7A7174-FBAB-41EE-9E9B-17EE3A36DE1E
أسماء راغب نوار
كاتبة ومترجمة مصرية، عربية مسلمة، أعشق تراب مصر ولا يزال لدي أمل في نهضتها، أعتز بلساني العربي أيما اعتزاز، أتخذ من الإسلام منهجًا للحياة غير مقتصرة على تأدية العبادات، أود تطبيق العدالة بين الناس كافة، درست اللغة الإنجليزية وآدابها وأعمل مترجمة. تعرّف عن نفسها بالقول: "لقد أقمت حياتي على مبدأ أن المطلق الوحيد هو الله وما دونه قابل للأخذ والرد إلا ما أنزل على رسوله أو ورد عنه، ووجهت نفسي للانتصار للحق وليس للرأي، ورفعت عن عقلي الوصاية فاستقل رأيي".