هزليات السياسة الأسدية (5)

هزليات السياسة الأسدية (5)

11 ديسمبر 2019
+ الخط -
مع دخول "أبو الجود" على خط سرد الحكايات الواقعية أصبحتْ جلسةُ "الإمتاع والمؤانسة" أكثر مرحاً وظُرفاً. كان حديثه عن الخطابات التي يلقيها أعضاء القيادتين القومية والقُطرية والأمناء العامون لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية في المناسبات القومية فكهاً من جهة، ويدل على أنه كان في يوم من الأيام على صلة بالأوساط الحزبية والأمنية من جهة أخرى. سألناه عن هذه الصلة فقال:

- نعم. أنا تْوَظَّفْتْ مدة قصيرة في شعبة الحزبْ. في واحدْ بعثي صديقْ والدي، اسمه "الرفيق فواز" عينوه بصفة أمينْ شعبة، وبعدما عينوه بخمسة أيامْ راحْ أبوي لعندُه، وطلب منه يعينّي سائق سيارة "شوفير" في الشعبة، فواز قال لأبوي: أجاني عشرينْ واحدْ من أصحابي وطلبوا مني عينهم بوظيفة "شوفير"، والشي اللي بيضحّكْ إني لَحِدّْ هلقْ قيادة فرع الحزب ما فرزتْ لي سيارة، يعني إذا عينَّا إبنك "أبو الجود" بوظيفة "شوفير"، على أيش بَدُّه يسوق؟!! أبوي كانْ متضايقْ مني كتيرْ، ومقاطعني ما بيحكي معي، منشان هيك قال للرفيق فواز: إذا في عندك وظيفة كلبْ بيعوّي عَ الأشخاصْ اللي بيمروا قدامْ شعبة الحزبْ عَيّنُهْ كَلْبْ، لأني أنا ومرتي كرهنا عمرنا من مشاجراتُه مع زوجته "أم الجود".. كمانْ بدي منك شغلة تانية يا رفيق فواز.. إذا بتعملوا في الشعبة مسابقة لأقوى صوتْ ولاويلْ في الدنيا اعْطيني خَبَرْ لحتى أخَلّي كنتي أم الجود تشتركْ فيها، وأكيد راحْ تربحْ وتاخدْ الدرجة الأولى. إنته يا رفيق كنت شي مرة في البرية، وكانتْ الدنيا شتي، وسمعتْ صياحْ الجَقَلْ لما بيقعي؟ الله وكيلك صوت أم الجود لما بتولولْ أقوى من صوت الجقل.


قال أبو جهاد: يا شباب أبو الجود بَلَّشْ يكذبْ. الله يرحم جارنا أبو عبد المجيد، اللي هوي والده لأبو الجود، كان يحترم كنته أم الجودْ، ولما يتخانقوا كان يناصرْها، ويوقف ضد إبنُه، ويزعل منه، وأوقات يضربه بالصرماية على وجهه لحتى يسكتْ.

قال أبو الجود دون أي غضب أو انفعال: والله إنه كلامْ أبو جهاد صحيح. كان أبوي يناصر أم الجود ضدي. بتعرفوا ليش؟ لحتى ترضى وتبطلْ ولاويلْ، لأنه مرة من المرات سمعها عم تولولْ فأحسْ كأنُّه طلقة مسدسْ دخلتْ في إدنه، أخدناه ع الدكتور، والدكتور عاينه وقال له: طبلة إدنك يا عمي مبعوجة. أكيد سمعانْ صوتْ قوي كتيرْ بشكلْ مفاجئ. بوقتها أبوي صار يوتوت ويقول: الله لا يسامحك يا أم الجودْ ولا يوفقكْ، طَرَشْتي لي إدني!

قال كمال: حلوة كتير هالمماحكة. بس يا ريت أبو الجود يكمل لنا قصة تعيينه في الشعبة.

قال أبو الجود: لما أمين الشعبة عرفْ إنه أبوي ما عنده مانعْ إتْعَيَّنْ بوظيفة كلبْ، تْشَجَّعْ وقال لأبوي: أشو رأيك نعينه عاملْ بوفيه؟ (يعني آذن فراش). قالْ لُه أبوي: عَيّْنُه أيشْ ما بدك، يْضْرَبْ في شِكْلُه. هون بقى بلشتْ تصيرْ معي مشاكل غريبة.

قال أبو ماهر: مشاكلْ؟ ليش إنته ما بتعرف تغلي شاي وقهوة وزهورات؟

ضحك أبو الجود وقال: بالنسبة لَغَلِي الشاي والقهوة والزهوراتْ شغلتها بسيطة، أو متلما بيقولوا بالمحاكمْ جنحة.. أنا بأقلّْ من أسبوعينْ صرتْ معلم المعلمين بهاي المهنة.. الله وكيلك يا أبو جهادْ صرتْ أحِطّْ في الصينية ستْ كاسات شاي وتلاتْ كاسات زهوراتْ وفنجانين قهوة وإمشي فيها من البوفيه لمكتبْ أمينْ الشعبة متلْ الصاروخْ.. بالأولْ كنت أشيلْ الصينية بإيديّ التنتين وإمشي وأنا خايفْ ما ترتجفْ إيدي وتفلتْ الصينية وتوقعْ ع الأرض، بعدين صرتْ أشيلها بإيد وحدة، وأخليها تبرمْ متل الغازولْ.. ولما أوصلْ لقدام الضيف كنت أقله: فَضَّلْ فِيْقْ..

ضحكنا، وقال كمال: شو هي فَضَّلْ فِيْقْ؟ ليش الضيف بيكون نايمْ؟

قال أبو الجود: لأ، بس أنا قصدي أقول له (تْفَضَّلْ رَفِيْقْ).. السببْ إني الرفاقْ الضيوفْ ما كتيرْ بينتبهوا لدخول الآذنْ.. ولما بيحكي معهم الآذن ما بيرِكّزُوا معه.. يعني إذا أنا بسبُّه للواحدْ ما بينتبه، بتلاقيه ابتسم لي وقال لي: شكراً. وبيتناول الشاي تبعُه أو القهوة وهوي عم يتابع حديثه مع أمين الشعبة. أما لما بيدخل واحد (مْنَمَّرْ) بيختلفْ الحكي. بتلاقي الكل وقفوا، والشاطر بتلاقيه عم يتفقد ياقة قميصه، وبيسوى الكرافة، وبينزل إيديه لتحت متل العسكري المجند لما بيوقف في حضرة شي شي عميدْ.

قال أبو إبراهيم: أنا عندي سؤالين. أول شي أيشْ يعني (مْنَمَّرْ)؟ وتاني شي إنته قلت إنه بلشت تصيرْ معك في شعبة الحزب شغلاتْ غريبة. متل أيش هالشغلات؟

قال أبو الجود: رجل مْنَمَّرْ يعني إله رتبة في الحزب أو في المخابرات أو مدير عام شي شركة.. يعني مو نَفَرْ متلي أنا. وبالنسبة للشغلات الغريبة اللي صارت معي إنه صاروا أهل ضيعتنا يتعاملوا معي متل كأني أنا (مْنَمَّرْ).. مع أني حكيت لهم من أولْ نهارْ كل اللي صار معي.

قال أبو جهاد: حكيت لهم إنه كانوا بدهم يعينوك كلبْ؟

قال أبو الجود: نعم حكيت لهم. وقلت لهم إنه اللي بيكونْ داخلْ عَ الشعبة يا إما بيشوفني شايلْ الصينية المليانة شاي وقهوة وزهورات وداخل على غرفة أمين الشعبة، يا إما بيشوفني طالعْ من عند أمين الشعبة وشايل صينية فاضية، يا إما بكون عم فضي منافض السجايرْ في سلة الوسخ، يا إما واقف ع المجلى وعم إغسل الكاسات. ومع ذلك شو بيقولوا لي؟ بدك تضحكْ علينا أبو الجود؟ أكيدْ إنته بتمونْ عَ أمينْ الشعبة وأمين الفرع. وأكيد صرت بتعرف ضباط مخابرات. بدك تساعدنا ولا لأ؟ وعلى هيك ومتله.

قال كمال: طيب ما صارت معك شي قصة طريفة إلها علاقة بهالموضوع؟

قال أبو الجود بينما عيناه مسمرتان على باب الغرفة: مبلى، صارت قصص كتيرة. لاكن على قولة المتل: إذا حضر الطعام بطل الكلام.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...