محاولات فاشلة للقضاء على كرشي

محاولات فاشلة للقضاء على كرشي

03 نوفمبر 2019
+ الخط -
لا أعلم على وجه الدقة متى أصبح وزني، عين الحسود فيها عود، 122 كيلوغراماً، ولكنني أعلم أن زوجتي فتحت مع كرشي حرباً شعواء منذ أن رأت الرقم على الميزان. في البداية حاولتُ التملص بحجة أن الميزان معطل، فاشترتْ ميزاناً جديداً، لكنّ النتيجة بقيت هي نفسها، ولم تتغير، 122.

وهكذا راحتْ تستخدم طرقاً لا حصر لها في حربها عليه، منها ما هو تقليدي، كالتجويع، ومنها ما هو محرَّم دولياً، كالمستحضرات الكيماوية والتعذيب بطرق متعددة، محمِّلة إياه المسؤولية عن آلام الظهر والركبتين وضيق الصدر وتردد النفس، بل وتجاوزت ذلك للادعاء أنه يخطط لقتلي في القريب العاجل، وأنه المسؤول عن عدم إيجادي ثياباً على مقاسي، ولكنه كحاكم عربي بقي ثابتاً في وجه المؤامرة، مقاوماً كل أشكال العدوان.

مدرسة الأولاد تبعد عن البيت قرابة 1 كم، اتفقنا على أن آخذهم أنا صباحاً وتعيدهم هي مساءً، وسرعان ما راحت تتحجج بالتعب أو المرض لتجبرني على المسير أكثر لتنال من الكرش، فبتُّ اضطر إلى الذهاب مرة أخرى مساءً لأحضر الأولاد. كانت المسافة 4 كيلومترات يومياً، ولكنه بقي صامداً، ثم ما لبثت أن تعلّلت بأن الأولاد لا يأكلون من طعام المدرسة، ويجب أن نحضرهم إلى البيت في استراحة الغداء، أصبحت المسافة 8 كيلومترات، تجاوزت انتهاكاتها الخط الأحمر، نقص وزني إلى 116 كيلوغرام، وأطلق كرشي إنذاراً من الدرجة الرابعة، وهو الإنذار الذي لم يسبق له إطلاقه إلا منذ عشر سنوات عندما حشدت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة زمرة من المدربين البدنيين والضباط الميدانيين وأصنافاً تعيسة من الأطعمة لتنجح في الوصول بوزني إلى 105 كيلوغرام.


ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، رحت أمرّ على سوبرماركت في طريق العودة من المدرسة، فأشتري منه ما تيسّر من الشوكولا والبسكويت مرتين يومياً، وتجاوزنا مرحلة الخطر وعاد إلى 120.

أعرف أنكم تعتقدون أن الكرش شرّ مطلق، لكن ذلك غير صحيح، فللكرش فوائد جمة لا يتسع مقال لذكرها، ولن أعدد لكم هنا فوائد الكرش التي سبق أن مرّت بكم في مقالات زملاء آخرين على درب النضال، وسأكتفي بذكر أعمال الخير والتحفيز التي يقوم بها كرشي دون غيره من الكروش، وأكاد أجزم بأنها أكثر مما يقوم به مدرب طاقة بشرية. ففي طريق المدرسة يوجد نادٍ رياضي ضخم يمارس فيه العشرات من الشبان والشابات التمارين الرياضية يومياً، أمرّ بهم فأجدهم وقد نال منهم التعب والملل، فأقف أمام زجاج النادي وأخرج من جيبي لوح سنيكرز وأبدأ بالتهامه بعد أن أرتدي وجه البلاهة والفضول، مطلقاً لكرشي عنان الشموخ ليشرئب معانقاً السماء، ويا ليتكم ترون كيف ينظر المتدربون إلى كرشي ذاهلين، ثم يدبّ فيهم النشاط والحماسة فجأة، فيعاودون التدريب والركض بكل ما أوتوا من قوة على الأجهزة الكهربائية بعدما اطّلعوا عليه فولوا منه فراراً ومُلئوا منه رعباً!

هذا العمل التحفيزي أقوم به مرتين على الأقل للمتدربين في النادي، ناهيكم عن العمل التحفيزي الآخر الذي أنجزه في وسائل النقل العامة حيث أقنع الناس بضرورة الحفاظ على رشاقة أجسادهم دون أن أتكلم الفرنسية التي لا أتقنها أصلاً، مستخدماً فقط اللهاث والتعرق الغزير والمحاولات التي لا تنتهي لتجفيف العرق.

مؤخراً جاءت زوجتي تتقافز وكأنها أرخميدس صارخة: وجدتها وجدتها. خير يا بنت الحلال؟ قالت: وجدت الطريقة التي سيختفي فيها، وأشارت إليه دون أن تلفظ اسمه، في محاولة عنصرية منها للحطّ من شأنه وإهانته، وراحت تشرح لي الطريقة الجديدة، الصيام هو الحل. كيف؟ ستصوم كل يوم 16 ساعة، وتفطر 8 ساعات. مسموح لك في فترة الصيام أن تشرب الماء والقهوة فقط، وفي فترة الإفطار تأكل ما تريد. ما أريد ما أريد؟ نعم ما تريد. يا سلام!

حاولتُ أن أشرح لها أن طريقتها فاشلة سلفاً، ولكنها لم تقتنع، فأنا فعلياً لا أتناول الطعام 8 ساعات يومياً مع نظام حياتي الليلي. ولكنها لم تستمع. وبدأ الصيام، وقبل أن تبدأ الساعات الثماني كانت تسألني: ألا أتشعر بالجوع؟ لا، بالدوار؟ لا. فتحاول أن تمطمط نصف ساعة أو ساعة إضافية حتى أقول لها: أشعر بالدوار، فتعدّ لنا الفطور وابتسامة النصر لا تفارق وجهها.

ولأنه صيام كان عليّ أن أدلل نفسي، فرحت أطلب منها إفطاراً شهياً وغداءً دسماً فأنا صائم، وقبل انتهاء ساعات الإفطار رحت أتسحر، وهذه وجبة ما كانت موجودة سابقاً، إذ من غير الممكن أن يبدأ الصيام دون سحور.

كانت قد أكدت لي أن خطتها الجديدة ستجعلني أخسر 10 كيلوغرامات شهرياً، لكن فضولها لم يجعلها تنتظر شهراً، فطلبت مني بعد أسبوع أن أقف على الميزان مبتسمة بفخر واثقة من النتيجة.

قف جيداً.
كم؟
لا تخفض رأسك، ارفع رأسك.
حسناً.. كم؟
... يبدو أن الميزان معطل، أين الميزان القديم؟
وهكذا أحضرت الميزان الآخر، وصعدتُ مجدداً.
كم؟
هسسس.. ارفع رأسك؟
كم؟

ولكنها لم تجب وخرجت من الغرفة خائبة، وحاول كرشي جاهداً إخفاء الرقم، ولكنني نجحت أخيراً في رؤيته، كان 125، لقد غنمنا 5 كيلوغرامات جديدة. وبناءً على النتائج قررت زوجتي أن كل المواقع والمقالات التي درستها بعناية قبل وضع الخطة، كاذبة وفاشلة، وأُوقفَت الحمية للأسف!

منذ قليل ذهبتْ إلى النوم، قالت لي: هل أعدّ لك شيئاً؟ كان في نبرتها من التهديد أكثر مما فيها من عرض المساعدة. وبالطبع قلت: لا.

الآن أسهر مع كرشي مع عدد من السندويشات وكأس عصير، ونخطط لاحقاً لتحضير كوب كبير من القهوة وصحن متوسط من البسكويت والشوكولا لنستكمل كتابة هذه التدوينة، في محاولة لفضح ما نتعرض له من ممارسات عنصرية، ومضايقات وانتهاكات!

دلالات