عن خرف القمة الحاكمة وكارثة التلوث وتفاصيل أخرى

عن خرف القمة الحاكمة وكارثة التلوث وتفاصيل أخرى

04 نوفمبر 2019
+ الخط -
ـ في مايو الماضي أصدر أرشيف الأمن القومي بجامعة جورج واشنطن، مذكرات السياسي السوفيتي أناتولي تشيرناييف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، وقد نشرت مجلة (هاربر) في عددها الصادر في شهر سبتمبر الماضي المقتطفات التالية التي ترجمتها آنا ميلياكوفا عن الروسية، والتي يرجع تاريخ كتابتها إلى 30 ديسمبر 1979 حين كان أناتولي يشغل منصب نائب مدير الإدارة الدولية في الحزب والمسئول عن ملف الولايات المتحدة في النظام الحاكم:

"دخلت قواتنا أفغانستان، قامت بخلع حفيظ الله أمين (الشهير بالكلب الدموي)، وتولى بابراك كارمل كل المناصب المهمة، وألقى كل الخطب اللازمة، وعلى رأسها الخطاب الذي قال فيه إنه قام بدعوة الجيش السوفيتي، وأنه أفرج عن المعتقلين السياسيين، ووعد الجميع بكل شيئ. الجميع من كارتر إلى الخميني إلى لا يونيتا ـ صحيفة الحزب الشيوعي الإيطالي ـ أدانوا الاحتلال والتدخل في الشئون الداخلية لبلد صغير وضعيف، وتحدثوا عن "الإمبريالية الروسية" وما أشبه.

بفضل قوة وسائل الإعلام، انقلب بقية العالم ضدنا، وسقطت في الجحيم لحظة الانفراج التي عشناها بعد خطاب بريجنيف في برلين الذي تزامن مع اجتماع الناتو في ديسمبر، كل القوى "الديمقراطية" و "السلمية" التي كانت تصطف لدعم سياسة السلام التي أعلناها أصبحت محبَطة. وكل ما يمكن الآن أن يفعله الشيوعيون وأصدقاؤنا العتيدون هو دحض التعليقات التي تتردد عن "العدوان السوفيتي"، لن يستمع أحد إلى حملاتنا ضد الصواريخ الأمريكية. كل أولئك الذين في "العالم الثالث" الذين كانوا يخططون لتبني الاشتراكية أو بدأوا بالفعل في تبنيها، عليهم أن يفكروا في كيفية عدم ربط أنفسهم معنا فيما يتعلق بأفغانستان، لأن لديهم دليل واضح على ما يمكن أن يؤدي إليه الارتباط بنا.


السؤال هو: من الذي يحتاج إلى هذا؟ هل ارتكبنا حقاً فعلاً يتم وضعه في الضمير العام الدولي إلى جوار ما جرى في فنلندا عام 1939 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968 فقط من أجل دوافع ثورية خيرية وإنسانية؟ مع أن الشعب السوفيتي لا يحتاج إلى ذلك على الإطلاق، وما يحتاجه هو اللحوم والسلع الاستهلاكية والمزيد من النظام.

لقد تم تخمير هذه المؤامرة في مكان ما "بعيداً عن الرادار"، ولذلك تم اتخاذ قرار إرسال القوات قبل ثلاثة أسابيع. بدأت قوات الاعتداء تتحرك بالقرب من كابول قبل أسبوع من الانقلاب بناءً على طلب حفيظ الله أمين نفسه (!) الذي يبدو أنه قرر أنه لا يمكنه أيضاً البقاء في السلطة (!) ومع ذلك لم يأخذ في اعتباره أنه تم إرسال القوات السوفيتية لهدف معاكس تماماً، الآن هناك فصيل عسكري كامل يتحرك عبر الحدود، وسيستغرق الأمر أسبوعاً كاملاً ليتم عبور الجبال والوصول إلى كابول (مناسب جداً لسؤال أمن الحدود!).

هذه هي الطريقة التي يتم بها وضع السياسة باسم الحزب والشعب، ولم يعترض أحد، لا أعضاء المكتب السياسي، ولا سكرتيرو الحزب، وبالطبع لا مسئولو الجمهوريات ولا قادة الأجهزة. أعتقد أنه لم تكن هناك فترة في التاريخ الروسي، حتى في عهد ستالين، يتم فيها اتخاذ قرارات مهمة مثل هذه دون مجرد تلميح إلى أهمية النقاش والتنسيق والجدال ووزن الخيارات، ولو حتى في دائرة صغيرة جداً. في هذه الأيام أصبح الجميع بيدقاً تم تجهيزه بشكل مسبق للاعتراف بهدوء وخنوع بصحة وضرورة أي قرار يصدر عن شخص واحد في موقع القيادة.

لقد دخلنا في فترة خرف في القمة الحاكمة، وهذا أمر خطير للغاية بالنسبة لبلدنا، إنهم غير قادرين على تقييم من يفعل ماذا ولماذا. ليس هذا رجما بالغيب، أو يأساً من إدراك الوضع اليائس في مجتمعنا، هذه ليست سوى نبضات لا معنى لها تولدت بالقصور الذاتي من كائن انعدم تأثيره، نبضات ولدت في زوايا مظلمة من الخلل السياسي، وفي جو ضمور كامل للمسئولية السياسية تحول إلى مرض عضوي."

بالطبع لم يمنع كل ما سبق أناتولي تشيرناييف من أن يكتب بعدها مباشرة السطور التالية متحدثاً عن رئيسه في الإدارة بوريس بونوماريف:

"بالأمس كنت أكتب بالفعل مسودات لبابراك كارمل: بيان ضد حملة التشويه الإمبريالية التي تم إطلاقها بعد دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان، ورسالة إلى الأحزاب الشيوعية تدعوهم للتضامن (لكي لا يحتجوا على ما حدث كما فعل الإيطاليون) مرة أخرى هذه هي مبادرة بوريس بونوماريف، كما هي حاله دائماً، إنه يواصل التخبط، ويريد كسب بعض النقاط حتى هنا، ومن يدري، ربما يبتسم له الحظ ويكافأ بالعضوية في المكتب السياسي".

كما توقع تشيرناييف، ابتسم الحظ لبوريس بونوماريف، وواصل صعوده في قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي، لكن الحظ لم يبتسم للاتحاد السوفيتي وضباطه وجنوده في أفغانستان، وثبت ولكن بعد فوات الأوان خطورة أن تعيش في بلد يتحكم فيه خرف القمة الحاكمة "ويصبح فيه الجميع بيدقاً يتم تجهيزه بشكل مسبق للاعتراف بهدوء وخنوع بصحة وضرورة قرارات القائد الفرد".

ـ يمكن للتعرض طويل المدى لمستويات متصاعدة من تلوث الهواء، أن يلحق بالرئتين نفس الضرر الذي يلحقه الإفراط في التدخين. هذه نتيجة دراسة حديثة قامت بفحص حوالي سبعة آلاف شخص بالغ في ستة مدن أمريكية كبرى من بينها نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو، ودرست نسب التلوث في المناطق التي يقيمون فيها، مما مكّن العلماء من رسم صلة بين نسب التلوث العالية، وتفاقم أعراض مرض الالتهاب الرئوي الذي يسبب ضيقا في التنفس، وترتبط الإصابة به عادة بالذين يفرطون في التدخين.

يقول المؤلف المشارك للدراسة جويل كوفمان من جامعة واشنطن أن زيادة قدرها حوالي ثلاثة أجزاء من كل بليون في الهواء الملوث خارج منزلك، يعادل تدخين علبتين من السجائر يومياً لمدة 29 عام، لاحظ أن المشتركين في الدراسة كانوا قد تعرضوا في العادة لتركيز سنوي من الهواء الملوث أعلى بكثير، وتصل نسبته من 10 إلى 25 جزءاً في البليون، مما يجعل المشكلة لديهم أخطر، خاصة أن تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري في السنوات الأخيرة تزيد الأمر سوءاً، وتوجب تدخل الحكومات لوضع إجراءات عاجلة لمكافحة التلوث والتحكم في تداعيات الاحتباس الحراري، وبالطبع لا أظن أنك تتصور أنني أتحدث عن مسئولي بلادنا المشغولين بأنواع أخرى من الحبس والاحتباس.

ـ كشفت دراسة بريطانية حديثة أجريت على أكثر من عشرة آلاف مراهق يتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة، أن الصلة بين الإصابة بالاكتئاب وبين استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا" مسألة مركبة أكثر مما كان يُعتقد، ففي حين تأكد وجود صلة بين استخدام المراهقات للسوشيال ميديا وبين أعراض القلق والاضطراب النفسي، لم تتأكد نفس الصلة بشكل واضح فيما يخص المراهقين الذكور، لكن نفس الدراسة استنتجت أن مواقع مثل فيس بوك وإنستجرام ليست مرتبطة بشكل مباشر بحدوث مشاكل عقلية ونفسية للمراهقات، فما يقرب من ستين في المائة من الحالات التي لوحظ فيها وجود تأثير نفسي أو اضطراب لدى المراهقات، كان بسبب تأثير السوشيال ميديا على مواعيد وطبيعة نومهن، وبسبب تعرضهن للتنمر الإلكتروني، وهو ما تعلق عليه الباحثة المشاركة داشا نيكولز: "الرسالة الرئيسية هنا للمراهقين بشكل عام: احصلوا على نوم كافٍ، لا تفقدوا صلاتكم بأصدقائكم في الواقع الفعلي، ومارسوا نشاطاً بدنياً، لأن كل هذا مهم للصحة العقلية واللياقة النفسية"، ولذلك يوصي باحثو الدراسة الأهالي بإبعاد الهواتف الذكية عن غرف نوم الأبناء والبنات ليلاً، وسؤالهم بانتظام عن تعرضهم للتنمر على شبكة الإنترنت، لكي لا يبقوا معاناتهم منه سراً، فيؤثر ذلك على صحتهم النفسية، لكن الدراسة لم توضح للأسف كيف يمكن لك أن تقنع أولادك بإبعاد الهواتف الذكية عن غرفهم، دون أن يتحول البيت إلى ساحة حرب ومصنع نكد مدمر للصحة العقلية لكل من في البيت.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.