البنك سرقني... وزوجتي أيضاً!

البنك سرقني... وزوجتي أيضاً!

03 نوفمبر 2019
+ الخط -
أيقظني صديق من النوم مبكراً على غير عادته، قائلا لي في فزع شديد: "الحق.. أنا اتسرقت". قلت له: "من سرقك؟"، سألته بلهفة رغم أنني كنت لا أزال في حالة ما بين الصحو والنوم، فأنا لم أفق من النوم بعد، والوقت لا يزال مبكراً بالنسبة لي، وقد استيقظت على اتصاله التليفوني المتكرر..

قال: "سرقني البنك الذي أتعامل معه"، وذكر لي اسم البنك من دون أن أطلبه.
قلت له ضاحكًا: "يا رجل، قل شيئا أصدقه على الصباح، لقد أيقظتني من النوم على فزع، وبعدها تقول لي ما يشبه النكتة، أنت بتهزر معي.. صح".
قال غاضبًا وقد علت نبرة صوته في مكالمته التليفونية: "ألا تصدقني؟"

رددت عليه محاولًا امتصاص غضبه الشديد، "بل أصدقك، فأنت شخص موثوق لدي، لم تكذب علي من قبل، وأصدق كل ما تقول".

قال: "وما الغريب في كلامي الذي سردته لك الآن؟"
قلت له: "كلامك غريب وغير منطقي ولا يتماشى مع العقل والمنطق وسمعة البنوك، فمن المعروف أننا نودع فوائض أموالنا في البنوك، أي أننا نستأمن البنوك على مدخراتنا وتحويشة عمرنا، وبالتالي فالبنوك من المفروض أن تكون أمينة على أموالنا، كما أنني لم أسمع من قبل أن بنكاً سرق عميله، لأن انتشار شائعة كتلك كفيلة بتدمير سمعة البنك وسمعة موظفيه معاً".


وواصلت كلامي لصديقي قائلا له: "البنك سمعة بالدرجة الأولى يجب الحفاظ عليها، لأنه لو ضاعت تلك السمعة أو شكك أحد بها لانفض الناس عن هذا البنك ولأفلس وأغلق أبوابه، ولما أصبح هناك شيء اسمه القطاع المصرفي".

قال وهو يصر على كلامه: "بل سرقني البنك".

قلت له "كيف؟.. احك لي ما حدث بالتفاصيل حتى أفهم الحكاية".
قال "ذهبت صباح أمس إلى البنك الذي أتعامل معه لكي أسحب مبلغًا من المال، حتى أسدد قسطا مستحقا على شقة حجزتها في مشروع سكني يقع بأحد المدن العمرانية الجديدة، فوجئت أن رصيدي في البنك قد تراجع، وأن المبلغ الموجود ليس هو آخر مبلغ أودعته في البنك، وعندما استفسرت من الصراف أكد لي أن رصيدي القائم دقيق وحسابي مضبوط لا خطأ فيه"، بعدها استفسرت من موظف البنك عن أحدث حركات سحب نقدي جرت على حسابي، قال إنني سحبت مبلغا من رصيدي قبل ثلاثة أيام وتحديداً صباح يوم الجمعة، ذهبت إلى مدير الفرع، فربما تكون المعلومة التي ذكرها لي الصراف خطأ أو أن هناك لبساً، فأكد لي كلام الموظف، وهو أنه تم سحب المبلغ بالفعل من رصيدي.

"اعترضت وصرخت في مدير الفرع الذي لجأت إليه ظنا مني أنه سينصفني، وأنكرت بشدة عملية السحب وبشكل مطلق"، هكذا يواصل صديقي سرد ما حدث، وكان رد المدير عليه حاسما، حيث قال له: "بل تمت عملية السحب النقدي بالفعل، وسيستم البنك يؤكد ذلك"، وحدد لي المدير موعد السحب والمكان وآلة الصراف الآلي التي تم سحب المبلغ منها.

هنا بدأت أشعر أنا أن مشكلة صديقي حقيقية، ولذا جلست في منتصف السرير بعد أن كنت نصف نائم، وسألته "وماذا حدث بعد ذلك؟"

واصل صديقي روايته، وقال "أبلغني مدير البنك أن عملية السحب من رصيدي تمت قبل ثلاثة أيام في الساعة الخامسة صباحاً، وأنها جرت عبر بطاقتي البلاستيكية رقم (....) ومن خلال كلمة السر الخاص بي رقم (....)، وأن الشخص الذي سحب المبلغ أدخل كلمة السر مرة واحدة وليس عدة مرات، أي أنه يحفظها عن ظهر قلب ولم يخطئ بها.

ويكمل صديقي روايته قائلا لي: "طبعًا اعترضت بشدة على كلام مدير البنك، وقلت له بشكل قاطع: "لم أقم بإجراء أي عملية سحب من حسابي المصرفي، ففي هذا اليوم نمت في الساعة الثانية عشرة مساء، واستيقظت في التاسعة صباحاً، أي بعد عملية السحب المزعوم بأربع ساعات، إذ كان هذا اليوم إجازة لي من العمل"، بل ورحت أقدم له عدة دلائل على صدق قولي، قائلا له إن بطاقة الصراف الآلي ATM لا أتركها لأحد بمن فيهم أفراد أسرتي، والبطاقة تكون في جيبي وفي حافظة نقودي الموجودة في جيب البنطلون أو بجوار السرير.

بعدها أمطرت صديقي بعدة أسئلة حتى أستطيع أن أفهم ما جرى.. سألته: "هل ضاعت منك بطاقة الصراف الآلي، وبالتالي قام شخص آخر بسحب هذا المبلغ؟"، فأنكر حدوث ذلك وبشكل مطلق، مؤكدا أن البطاقة في حوزته الآن، ولا يتركها لأحد حتى لابنه الأكبر الذي طلبها منه عدة مرات، لسداد عمليات شراء ملابس وأحذية يقوم بها من وقت لآخر.

سألته "هل جاءتك رسالة على موبايلك من البنك تقول لك إنه تم سحب المبلغ من حسابك؟".. "إطلاقًا"، أجاب بسرعة، مؤكداً لي إنه تفحص رسائل البنك على مدى شهر كامل ولم تصله رسالة من هذا النوع في هذا اليوم.

قلت: "هل طلبت من البنك معلومات تفصيلية عن موعد عملية السحب والماكينة التي تم سحب المبلغ منها؟"

فقال بسرعة: "نعم"، واستطرد قائلا "حددوا لي موعد سحب المبلغ من رصيدي بدقة وهو الساعة الرابعة وخمسون دقيقة صباحاً، وأن عملية السحب تمت من ماكينة قريبة من بيتي". قلت له: "هل أحد من أسرتك يعرف كلمة سر البطاقة، أو أن الورقة المكتوبة عليها كلمة السر موجودة في بيتك".

قال بعد تفكير سريع: "لا، لقد مزقت الورقة بعد استلامها من البنك، بل وغيرت كلمة السر التي وصلتني من البنك بأخرى"، ثم استدرك قائلا: "لكن زوجتي تقترب مني وتكاد تلتصق بي عندما أسحب نقوداً من الماكينة أو أشتري بضاعة من المول التجاري الواقع بالقرب من بيتي وأسدد القيمة بالبطاقة".

ضحكت ضحكة خفيفة.. لم يرها صديقي بالطبع، وقلت له: "يا صديقي.. البنك لم يسرقك، وعملية السحب تمت وحسب المواعيد التي أبلغك بها موظف البنك".

قال متلهفًا: "كيف"؟

قلت له: "زوجتك أخذت البطاقة من حافظة نقودك وأنت نائم، وأخذت معها تليفونك المحمول، سحبت ما تريد في أمان، جاءتك رسالة على الموبايل من البنك، عقب إجراء زوجتك عملية السحب مباشرة، تبلغك بالمبلغ الذي تم سحبه من رصيدك الآن، والموعد والمكان وإجمالي رصيدك بعد عملية السحب، قامت زوجتك بمسح الرسالة، وعادت إلى البيت لتضع البطاقة في حافظة نقودك والموبايل بجوار السرير الذي تنام عليه، وربما نامت بجوارك مرة أخرى من دون أن تشعر أنها خرجت من البيت أصلا".

صعق صديقي من كلامي، وقال: "هذا غير معقول .. ماذا تقول!!، يا رجل قل شيئاً آخر، هذا غير ممكن، مستحيل، زوجتي تفعل ذلك".. فقلت له: "هذا هو السيناريو الأقوى من وجهة نظري"، وربما تكون أنت من دفعتها لذلك، بخلك مثلا في الإنفاق على بيتك، بخلك في شراء احتياجاتها الشخصية، وقبل أن يعلق على كلامي طلبت منه أن يتركني في حالي ويدعني أكمل نومي.

مصطفى عبد السلام
مصطفى عبد السلام
صحافي مصري، مسؤول قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد".