انتفاضة لبنان... عرض مدني وتحية عسكرية

انتفاضة لبنان... عرض مدني وتحية عسكرية

24 نوفمبر 2019
+ الخط -
مناسبة الاستقلال الـ 76 هذا العام كانت بنفحة مميزة أبهرت الشعب اللبناني والعربي. في كل عام كان الشعب اللبناني ينتظر ليرى احتفال عيد الاستقلال الرسمي بطريقة تقليدية. ويشهد خطابا من هنا وخطابا من هناك، وكلاما من هنا، وكلاما من هناك، وموكبا من هنا، وموكباً من هناك. 

في كافة احتفالات الاستقلال، كان الشعب من ينظر إلى الساسة. ولكن في هذا العام، الساسة من نظر إلى الشعب. جرى الاحتفال الرسمي هذا العام بحفل صغير في وزارة الدفاع في اليرزة حيث كانت تطغى عليه أجواء الحزن. والشعب اللبناني احتفل في كل لبنان وبأجواء فرح لا توصف، والوحيد من كان موجودا في الاحتفالين، هم القوى الأمنية والعسكرية، وهذا دليل على مدى احترامهم من قبل الشعب، والدور الإيجابي الذي يشكرونهم دائماً عليه في حماية الانتفاضة والشعب اللبناني، وفي كل المناسبات التي مرت، وإحياء لشهداء القوى الأمنية والعسكرية جميعاً الذين دفعوا دما لأجل بقاء الوطن.

يجب قراءة هذا العرض المدني مليا، لأنه رسالة يجب أن يفهمها جميع من هم أصحاب قرار، وهي أن الشعب اللبناني سئم من الأداء التقليدي للساسة والأداء التقليدي للدولة ولم يعد له ثقة. هذا هو شعار المنتفضين، وعلى من في الدولة أن يتعاطوا مع الموضوع ضمن هذا الإطار، وليس كما كان يتم التعاطي بالقرن السابق. الشعب افتتح قرناً جديدا قبل أوانه، وبدأ يكتب التاريخ من خلال الجمهورية الثالثة التي يريدها بعيدة عن الأداء السابق من فساد إداري ومالي وسياسي والاستهتار به.

أما الرسالة الثانية والواضحة، هي ألا يحاول أحد ضرب الشعب مع القوى الأمنية والعسكرية لأنهم واحد منهم، إنهم في القلب والعين، ولن يتمكن أحد من لعب هذه اللعبة، لأن هذا الزمن قد ولى، وتاريخياً إنهم دائما فوق كل اعتبار، رغم وجود بعض الأخطاء أو الارتكابات. ولكنها ليست بقرار مؤسساتي بل فردي، فلا يلعب أحد بهذه الورقة لأنهم من لحمنا ودمنا.

أما الرسالة الثالثة فهي أن الشعب لن يمل وباق حتى تحقيق أدنى مطالبه، وألا يراهن أحد على ملل الناس، وأنها سوف تكون بمثابة كرة ثلج تكبر وتكبر في حال لم يتم الاستجابة إلى مطالب الناس. أو على الأقل البدء بتنفيذ المطالب المرتبطة بتشكيل الحكومة، والعمل على تشريعات مرتبطة بالإصلاح القضائي.

فهل ستصل الرسالة إلى أصحاب القرار؟ أظن أنها لن تصل إليهم الآن وسوف يسعون إلى استعمال وسائل أخرى بعيدة عن الرهان على الوقت وبعض الأساليب التي استعملت سابقاً. إذْ من الممكن استعمال وسائل أكثر دموية، أو على الأقل لعبة الشارع مقابل شارع، حيث ينتج عنها تلقائياً العنف والتوتر. وأخشى من الطابور الخامس في تلك الحالة، وهذا عداك عن الانهيار الإقتصادي الذي نشهده.

فلتجر عملية استئصال لهذه الأزمة، وليبدأ العمل على حل فعلي وليس وهمي، لأن من بقي في الشوارع لمدة أربعين يومًا، ممكن أن يجلس مثلها لمدة سنوات، ولأن الشعب يعتبرها الفرصة الأخيرة، لتحقيق ما يصبوا إليه منذ سنوات طويلة.