عن اغتيال الرئيس محمد مرسي

عن اغتيال الرئيس محمد مرسي

22 نوفمبر 2019
+ الخط -
صدر بيان موقع باسم آغنيس كالامار، المقررة المختصة بحالات الإعدام التعسفي بفريق الأمم المتحدة، يفيد بأن الرئيس الراحل محمد مرسي البالغ من العمر 67 عاماً احتُجز في ظروف وحشية، ووضع في حبس انفرادي لمدة 23 ساعة في اليوم، وأُجبر على النوم على أرضية خرسانية، وحُرم من العلاج المستمر لمرض السكري وارتفاع ضغط الدم. خلص البيان إلى أن وفاة مرسي بعد تحمله كل هذه الظروف قد تصل إلى حد القتل التعسفي الذي تقره الدولة المصرية.

واعتبرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن قوات الأمن المصرية تسببت بقتل الرئيس المصري بعد تأكيدات من "رفاقه" في المحاكمة. ونقلا عن ثلاثة مصادر، فإن حراس السجن تركوا مرسي نحو 20 دقيقة بعد سقوطه مغشياً عليه في قفص قاعة المحكمة بالرغم من صرخات استغاثة بقية المتهمين الآخرين طلباً للمساعدة خلال جلسة محاكمته في قضية التخابر، الاثنين 17 يونيو/ حزيران.

كم هو مؤثر هذا الاهتمام العالمي بالتحقيق في حادث مقتل الرئيس مرسي، ولكن هل كانت الأمم المتحدة تنتظر موته لتصدر بيانا؟ وهل أفرغت قضية مرسي من محتواها فبدلا من أن تدافع الأمم المتحدة عن حقه كرئيس منتخب ديمقراطيا منقلب عليه، اكتفت بالدفاع عن حقوقه كسجين عادي، ومتى؟ بعد وفاته!!

دعونا نسرد تاريخ الاحتجاز التعسفي القاتل وصرخات الرئيس الراحل وأسرته التي لم يصل صداها للأمم المتحدة سوى يوم وفاته:

  • بتاريخ 23 أغسطس 2017 أصدرت أسرة مرسي بيانا تستنكر فيه الانتهاكات التي يتعرص لها منذ الانقلاب عليه في الثالث من يوليو/ تموز 2013 حينما حبس في قاعدة عسكرية حتى ظهر في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه. استنكرت أسرة مرسي صمت المنظمات الحقوقية وازدواجية معايير المجتمع الدولي الذي لطالما تغنى بالديمقراطية وحثتها على الاهتمام بالملف. 
  • رفض مرسي الانقلاب العسكري كما رفض كل الإجراءات المتخذة من سلطة الانقلاب من محاكمات هزلية سياسية ملفقة.
  • طالب مرسي بعقد جلسة سرية بحضور السيسي ووزير الدفاع الأسبق محمد حسين طنطاوي، ورئيس الأركان الأسبق سامي عنان، للحديث عن معلومات خطيرة تمس الأمن القومي المصري، إلا أن هيئات المحاكم التي كانت تنظر هذه القضايا رفضت طلبه أكثر من مرة.
  • لم يسمح لأسرته بزيارته سوى مرتين خلال أربعة أعوام تفصل بينهما ثلاث سنوات ونصف، وكانت مدة الزيارة في كل منهما نصف ساعة.
  • منع فريق دفاع مرسي من التواصل معه منذ يناير/ كانون الثاني 2014.
  • منعت عن مرسي الصحف والكتب والمتعلقات الشخصية.
  • في 2015 اشتكى الرئيس من حبسه داخل قفص زجاجي، ومن وجبات تقدم له هي جريمة في حد ذاتها، تقول الأسرة إن هناك خمس وقائع بتفاصيلها تشهد على ذلك.
  • في7 يونيو 2017 أخبر الرئيس المحكمة بأنه تعرض لغيبوبتي سكر داخل مقر احتجازه ولم يعرض على طبيب، وأنه يطلب نقله إلى مركز طبي خاص على نفقته الشخصية لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، وطلب من هيئة دفاعه تقديم بلاغ للنائب العام.
  • في 8 يونيو 2017 تقدمت هيئة الدفاع ببلاغ للنائب العام لاتخاذ اللازم تجاه تلك الوقائع.
  • أبلغ مرسي زوجته وابنته في الزيارة الثانية، حيث لم يسمح لأبنائه الرجال بزيارته، بأنه ومنذ عام يطلب تغيير نظارته الطبية ولكن الفريق الأمني لم يستجب.
  • في يوليو 2017 طلب إحضار دواء الإنسولين الخاص به وجهاز قياس نسبة السكر بالدم ورفضت الجهات الأمنية.
  • في يوم الإثنين 13 نوفمبر 2017، اشتكى الرئيس من إهمال طبي متعمد يهدد حياته بالخطر، وتغييب فعلي عن المحاكمة بوضعه في قفص زجاجي داخل قفص حديدي لا يرى منه أحدا، سعيا لقتله معنويا، وهذا يخالف النظام القضائي المصري وقواعده الدستورية والقانونية في ما يتعلق بمحاكمة رئيس الجمهورية.
  • في 15 نوفمبر 2017 أصدرت جماعة "الإخوان المسلمون" بيانا للتأكيد على بطلان تلك المحاكمة، واعتبار ما أعلنه الرئيس محمد مرسي من انتهاكات في حقه، بلاغا تتقدم به للرأي العام العالمي ومن خلاله للأمم المتحدة وشتى المنظمات الحقوقية والقانونية الدولية ولكل الجهات المهتمة بحقوق الإنسان ليضطلع كل بمسؤولياته لوقف تلك الانتهاكات وحماية حياته من الخطر؛ وحملت جماعة الإخوان الانقلاب العسكري المسؤولية الكاملة عن سلامة الرئيس وحياته وكل المعتقلين والمختطفين.
  • نقلت مصادر لشبكة الجزيرة ما قاله مرسي في آخر لحظات حياته: "حتى الآن لا أرى ما يجري في المحكمة، وحتى المحامي المنتدب من المحكمة لن تكون لديه معلومات للدفاع عني".
  • أصدر الموقع الرسمي لحزب الحرية والعدالة بيانا ذكر فيه كلمات مرسي الأخيرة أنه "يتعرض للقتل المتعمد من قبل سلطات الانقلاب، وأن حالته الصحية تتدهور، وأنه تعرض للإغماء خلال أسبوع أكثر من مرة دون علاج". طلب مرسي من المحكمة السماح بمقابلة هيئة الدفاع عنه، لأنه يريد أن ينقل أمانة إلى الشعب المصري، وليتواصل معه حول أمور مهمة وخطيرة، فقامت المحكمة بإغلاق الصوت عنه ومنعه من مواصلة الحديث، حتى تعرض للإغماء داخل القفص الزجاجي العازل للصوت متوفيًا. نقلت وكالة أسوشييتد برس الخبر نفسه عن مصدر قضائي، يفيد بأن مرسي طلب التحدث أثناء المحاكمة في قضية التخابر مع قطر وأشار إلى أنه تحدث لمدة 20 دقيقة، وأكد أن لديه أسرارا كثيرة، مضيفا أنه لو كشف هذه الأسرار فسيفرج عنه، بيد أنه قال إنه لن يكشفها لأنها ستضر بأمن مصر القومي؛ وبعد دقائق انهار داخل قفصه الزجاجي.


أخالف الكاتب ديفيد هيرست عندما ذكر في مقاله "من قتل مرسي" أن المستفيد من قتله هما طرفان فقط: نظام السيسي، وتنظيم الدولة الاسلامية؛ وأقول: إن من قتل مرسي هي كل دولة صمتت عن التنديد بجريمة قتل ديمقراطية وليدة، كل دولة كان رفضها لتولي رئيس ذي خلفية إسلامية أكبر من دعم إرساء قواعد بناء عهد حرية، من قتله هو العالم الذي تقبل اغتصاب منقلب لكرسي حكم مصر ليحقق مكاسبه على حساب شباب قتلوا ليحيا وطنهم. إن هذا التنديد الذي تطلقه الأمم المتحدة اليوم، ليس تعاطفا مع مصير رئيس منتخب مغدور، بقدر ماهو استغلال للحدث في إطار رغبة في تثوير الشعب المصري لتُستكمل دائرة الانقلاب بثورة جديدة تُنسي بها الفترة من 2012 إلى 2019، لتعديل مسار ثورة يناير التي ما كان يُنتظر أن تأتي في النهاية برئيس من جماعة الاخوان المسلمين.

دلالات

7048540C-B765-4399-A999-CB7869F215E2
رانيا مصطفى
باحثة مهتمة بالتاريخ والسياسة والأدب والعلوم الإنسانية. تقول: كل فكرة فى مقال ماهى إلا رسالة فى زجاجة ملقاة فى بحر تتقاذفها أمواج الأيام حتى تصل إلى من يهمه الأمر