رحلة مع كمال الشيخ في مشواره السينمائي الحافل (4/6)

رحلة مع كمال الشيخ في مشواره السينمائي الحافل (4/6)

19 نوفمبر 2019
+ الخط -
ـ يبدو أن عدم دخول فيلم (الرجل الذي فقد ظله) في مشكلة مع الرقابة شجعك على المضي خطوة أبعد، وكانت خطوة العودة إلى أدب نجيب محفوظ في فيلم (ميرامار) مع سيناريو ممدوح الليثي وكوكبة من النجوم في أداء رائع، لفت انتباهي إن في نقاد هاجموا الفيلم واعتبروه تحريف غير مقبول لرواية نجيب محفوظ، ولفت انتباهي أن بعضهم من الذين يكنون لك الاحترام مثل الأستاذ علي أبو شادي، لما هاجم الفيلم، ركز هجومه على سيناريو ممدوح الليثي، وكأنك لست مسئولا عنه، ياريت حضرتك تحكي لي عن تجربتك في (ميرامار)؟
هو الكلام اللي كتبه علي أبو شادي نشر طبعا في فترة متأخرة لإنه ما كانش معاصر لظهور الفيلم، ولذلك للأسف ما قريتش اللي كتبه، لكن أكتر حاجة جلبت الهجوم من البعض وقتها في الصحافة فور عرض الفيلم هو تقديم شخصية سرحان البحيري كرمز للاتحاد الاشتراكي، ودي موجودة أصلا في رواية نجيب محفوظ، ومع ذلك كان في رد فعل قوي ضدها من المنتمين للاتحاد الاشتراكي، لدرجة نشر مقال في مجلة (روز اليوسف) يطالب باعتقالنا، لكن أنا كنت متحمس جدا للفيلم، واعتبرته فرصة لإعلان رفضي بشكل فني وشخصي لحكم الحزب الواحد وغياب الديمقراطية، وكنت حاسس إني باتكلم بلسان الناس، لإني كنت بامشي في الشارع، ألاقي ناس ما يعرفونيش، ناس بسطاء وعاديين بيشكروا في الفيلم وبيحيوني عليه، ويقولوا لي كلام فيه أحيانا تحميل للفيلم أكثر ما يحتمله، وكنت سعيد جدا برد الفعل ده وقواني على تقبل ردود الأفعال الغاضبة.

ـ حضرتك تحمست للعمل من الرواية ولا من السيناريو؟
لا، أنا تحمست للعمل من الرواية، وكنت محترمها جدا، وزي ما قلت لك في الأول أنا كنت مع ممدوح الليثي من الألف إلى الياء في بناء السيناريو، وهو موجود وتقدر تسأله.

ـ ليه اخترت ممدوح الليثي بالذات لكتابة السيناريو؟
هو أنا ما اخترتوش، اختاره المنتج جمال الليثي، هو باع الفيلم للمؤسسة العامة للسينما فيما بعد، لكن بدأ جمال الليثي في إنتاجه، كان ممدوح شقيقه قبل كده بيكتب قصة في مجلة (روز اليوسف)، فجمال قال لي هل عندك مانع إنك تشوف ممدوح وتستعين بيه في كتابة السيناريو، فإذا اتفقت معاه نستمر، لو لقيته غير قادر على الكتابة خلاص نشوف حد تاني، ما رفضتش، وبعدين لقيت إن ممدوح فعلا عنده كل الاستعداد والإمكانيات للتأليف، وكان على مستوى متميز الحقيقة، وكنا بنقعد مع بعض طبعاً زي كل فيلم، أنا باقعد مع السيناريست عدة مرات ونحذف ونضيف، وأقترح حاجات وهو يراجعني ويعدل اقتراحاتي أو يقرها، ومشيت عملية كتابة السيناريو كويس.

جت بعد كده مرحلة مهمة هي مرحلة توزيع الأدوار، ومشيت بشكل ممتاز، وكنا موفقين في اختيار يوسف بيه وهبي لدور طلبة مرزوق، وكان بيمثل قطاع من الشعب اللي رافض مسألة التأميم، وحسه الساخر خلى الناس تحب الدور وتتعاطف مع الشخصية بشكل كبير، وده كان جزء من المشكلة اللي حصلت للفيلم.

ـ وقتها نجيب محفوظ قال في حوارات معاه، إن أداء يوسف وهبي للدور بطريقة عظيمة خلى الناس تتعاطف مع شخصية طلبة مرزوق، وده عكس اللي نجيب محفوظ كان عايز يقوله من الشخصية، وبغض النظر عما إذا كان بيقول ده عشان يحمي نفسه كمؤلف، ويحمي روايته نفسها، لكن أعتقد صعب مع مخرج زيك مشهور بتوجيهه للممثل إنه يكون أداء يوسف وهبي عكس ما كنت عايز؟
(يبتسم) أنا الحقيقة قريت بالفعل للبعض إنهم شافوا إن الناس اللي ما عندهمش إدراك وثقافة هما اللي تعاطفوا مع شخصية طلبة مرزوق، لكن أنا شايف إن التعاطف معاه كان مش لإن يوسف وهبي أدى الدور بشكل جيد، ولكن لإنه قال اللي هما عايزين يقولوه.

ـ انت شخصيا كنت متعاطف مع طلبة مرزوق؟
أيوه طبعا.

ـ وده كان إعلان متأخر وضمني لموقفك من حكاية التأميم؟
ما هو التأميم كان في أول الستينات، والفيلم ده أنا عملته سنة 68، هو اتعرض سنة 69، لكن طبعا إيه اللي خلاني أعمله من بين الموضوعات اللي اتعرضت عليا، لو ما كانش عندي موقف عايز أقوله من خلاله، خصوصا إني أعلم أن رد فعله لن يكون عادي.

ـ عشان كده كان باين وجود حس ساخر في الفيلم، يعني مثلا سرحان البحيري يقول أنا رايح اجتماع اللجنة، فتقطع عليه وهو مع رقاصة، يعني كان في جرأة في التعبير بعكس طابع أفلامك اللي قبل كده، اللي فيها طابع الهدوء المميز لشخصيتك الفنية؟
ده مش جرأة، ده نوع من تفسير الشخصية.

ـ وانت بتشتغل كنت متخيل إن الفيلم ده هيعمل مشكلة؟
لا، لإن الرقابة وافقت على سيناريو الفيلم، وبعدين لما اتنفذ حسوا بالورطة، لكن لإنه ما كانش في تغيير كبير في السيناريو، ده خلاهم في حرج، فاتصلت الرقابة بوكيل الوزارة اللي اتصل بوزير الثقافة، وكانوا حاسين إن منع الفيلم هيسبب مشكلة خصوصا مع ما كان يقال عن وجود تغيير في البلد، وكان لازم يشركوا في قرار زي ده قيادات الاتحاد الاشتراكي، واللي اجتمعوا وشافوا الفيلم ورفضوه، وده حط وزير الثقافة في حرج، لإنه لو صرح بعرض الفيلم وهو كان ميال لعرضه، لكن لو عمل ده هيدخل في أزمة مع الاتحاد الاشتراكي، وعشان كده قرر رفع القضية إلى رئاسة الجمهورية عشان يكون كلامها قاطع، ولما شاف عبد الناصر الفيلم أمر بعرضه، وأعتقد إنه حس إن ده هيتماشى مع خطوات التغيير اللي كان بيفكر فيها بعد هزيمة يونيو، خصوصا إن الصحافة كانت بتغطي أخبار الفيلم ومنعه كان هيسبب أزمة، وبالفعل لما اتعرض الفيلم ونجح، الصحافة الأجنبية كتبت عن العرض بوصفه من خطوات التغيير اللي حصلت في البلد، وراديو يوغوسلافيا أذكر إنه قال إن موافقة عبد الناصر شخصياً على الفيلم دليل تغيير يحصل، فبالتالي فكرة الموافقة الجاية من عبد الناصر تم توظيفها لصالحه، برغم إن الرقابة أصلا وافقت قبل كده على السيناريو.

ـ المعروف إن عبد الناصر كلف أنور السادات إنه يشوف الفيلم، كان وقتها رئيس مجلس الأمة؟
لا وقتها كان بقى النائب، وفعلا اتعمل له عرض وشاف الفيلم وقال يعرض فورا، واشترط حذف عبارة على لسان شخصية بتقول إن الستات حيوانات، وغير كده ما كانش لديه أي اعتراض على الفيلم.

ـ البعض قال وربما يكونوا شطحوا إن السادات لما شاف الفيلم لقى فيه فرصة جيدة لضرب عبد الناصر فساعد على عرضه؟
استحالة إنه يجرؤ حتى لو كان نائب رئيس الجمهورية إنه يعرض الفيلم على غير رغبة الرئيس، اللي هو الكلمة له، وأنا متأكد إن عبد الناصر وافق على العرض، وحكاية السادات كانت مجرد إجراء شكلي.

ـ تعتقد إن عبد الناصر شافه، لإنه كان معروف إنه بيجيب الأفلام من الرقابة عشان يتفرج عليها في منزله؟
طبعا.

ـ يعني وصلت لكم كفريق عمل الفيلم معلومة بده؟
أيوه، والسادات جاء لمشاهدة الفيلم بتعليمات مبدئية من عبد الناصر، بدليل إنه بمجرد ما شاف الفيلم قال يعرض فورا، لإن القرار كان متخذ سلفا.

ـ طيب بعد ما اتعرض الفيلم ولقى نجاح كبير، كانت المخابرات بتكتب عنه تقارير؟
حسب معلوماتي المستمدة من دور العرض ومديريها، كانت المخابرات بتقدم تقارير عن مدى تجاوب الجمهور، إمتى بيضحك، وإمتى بيقول عبارات تأييد للأبطال وإمتى بيسقف إلى آخره.

ـ رصدك انت لرد فعل الجمهور في السينما كان إزاي؟
الفيلم استقبل الجمهور بإعجاب كبير وتجاوب غير عادي في كل العروض اللي حضرتها، بالمناسبة أنا شفت بعض الوزراء في الفيلم مع الناس، وعايز أقولك كمان إن في رئيس وزارة بس مش هاقول اسمه، اتقابلت معاه مرة في سهرة وشد على إيدي وقال لي إني قدمت عمل عظيم.

ـ في المرحلة التي تلت (المخربون) والتي أنجزت فيها أفلامك (الرجل الذي فقد ظله) و(ميرامار) و(على من نطلق الرصاص)، تكرر لدى النقاد والمهتمين بالسينما وصف هذه الأفلام بأنها أفلام سياسية، وأنها تواكب التغيير الذي حدث في صناعة السينما في العالم، حيث أنتجت في هذه الفترة الكثير من الأفلام السياسية المواكبة للانفجارات السياسية في أمريكا وفرنسا وغيرها، ولفت انتباهي أنه حين أخرجت فيلم (بئر الحرمان) في وسط هذه الأفلام، البعض فسره بأنه فيه إسقاط سياسي، وإشارة إلى أن مصر تعاني من انفصام في الشخصية، كيف تعلق على ذلك؟
(مستنكرا) لأ طبعا، دي شطحات، هاقول لحضرتك، الحقيقة أنا قريت للبعض كلام عن إني أول من قام بتقديم الفيلم السياسي وأشاروا إلى الأفلام التي ذكرتها، لكن أنا باقول لأ، دي مش أفلام سياسية، الفيلم السياسي عايز معالجة مختلفة وعايز تحليل درامي مختلف، وكنت باضرب مثل في ردي ببعض الأفلام الإيطالية اللي اتعملت عن فترة موسوليني والفاشية، والفيلم الأمريكي (كل رجال الرئيس) اللي اتعمل عن قضية ووترجيت، دي أفلام سياسية فعلا لإنها بتتناول الصراع السياسي وبتحلله، لكن ما تقدرش تعتبر أفلام زي أفلامي إنها سياسية لمجرد إنها بتصور ما يحدث في المجتمع، يعني (المخربون) فيلم عن المساكن المنهارة، فيلم (على من نطلق الرصاص) فيلم عن جريمة حصلت بسبب الفساد في القطاع العام.

ـ لكن بالنسبة للي بيعتبروا الفيلم سياسي من ناحية جرأة تناوله وتجاوزه للخطوط الحمراء المتعارف عليها في الأفلام، يمكن من وجهة نظري اعتبار (على من نطلق الرصاص) من إخراجك وتأليف الأستاذ رأفت الميهي واحد من أجرأ الأفلام المصرية، ونظرته للواقع نظرة سياسية بشكل واضح.
لا أتفق مع هذا، هي نظرة واقعية، جاية من التأثر بأحداث واقعية، يعني (المخربون) كان عقب انهيار مصنع في وسط الدلتا وراح ضحيته بعض العمال وتأثرت بالحدث ده، وكذلك في (على من نطلق الرصاص)، لكن ما أقدرش أعتبرها أفلام سياسية.

ـ طيب مش هاناقش حضرتك كتير في النقطة دي، لإنها متروكة لمشاهد أفلامك، لكن عايز أتوقف عند مرحلة خرجت فيها لفترة بسيطة من دائرة الفيلم المشتبك مع الواقع بأبعاده السياسية، وقدمت أفلام اجتماعية يغلب عليها بعد التحليل النفسي مثل (بئر الحرمان) و(شيئ في صدري)، قبل ما ترجع لتجارب لها بعد سياسي واضح مثل (غروب وشروق) و(الهارب) و(على من نطلق الرصاص)، كلمني عن هذه المرحلة؟
كنت في الفترة دي مشغول بتأمل فكرة تصرفات الإنسان وكونها نتيجة أو رد فعل لما يدور بداخله، وقرأت في الموضوع ده كتير واستهوتني فكرة تأثير النفس وبواطنها على مواقف الإنسان وأفعاله، وإزاي يستحيل يوجد حدث ما لم تكن له أسباب كامنة في نفوسنا، وتقدر تعتبر إن (بئر الحرمان) امتداد أوضح لما تم تقديمه من قبل في (الخائنة) و(الليلة الأخيرة).

ـ من الانتقادات التي وجهت لفيلم (بئر الحرمان) هو أنك لأول مرة تكثر من استخدام المشاهد الجنسية في أفلامك؟
هي كلها كانت مشاهد "إن دايركت".

ـ وغير مقحمة على دراما الفيلم، ده واضح طبعا، لكن كان في إشارة إلى إن وراء ده بعد تجاري، لمجاراة الانفتاح الشديد اللي كان حصل وقتها في الأفلام، في مرحلة ما بعد 67 واللي انعكس حتى على تعامل الرقابة مع الأفلام الأجنبية؟
استحالة يكون للمسألة عندي بعد تجاري، وأنا لو كنت بافكر في البعد التجاري كان ممكن أخلي المسائل في الفيلم أبعد بكتير مما ظهر فيه، لكن أنا طول الوقت باراعي طبيعة مجتمعنا وتقاليد الأسرة وباحرص على احترامها.

ـ بالتالي عدم استخدامك للمشاهد الجنسية أو ما يطلق عليه صحفياً الآن "المشاهد الساخنة"، في ما قبل فيلم (بئر الحرمان) كان توجه واضح منك؟
طبعاً، وأنا مع احترام التقاليد طول الوقت، يعني في فيلم (الصعود إلى الهاوية) كان في القصة علاقة بين بنتين، ومع أني أخرجت بحرص شديد المشهد اللي جمع بينهم في السرير، وكنت مركز أكثر على النظرات ما بينهم وبعض اللمسات، لكن في مرة وأنا ماشي في الشارع بعد عرض الفيلم قابلتني سيدة تعرفت علي وأظهرت إعجاب شديد بالفيلم، وبعدين قالت لي: اسمح لي أقولك أنا كان معايا بناتي الاتنين في السينما وكنت في منتهى الحرج، وأنا تأثرت جدا برأي هذه السيدة وحسيت إني أخطأت، وقلت السيدة دي بتمثل الأسرة، ولا بد من الاحترام.

ـ لكن ما فيش أي مقارنة بين تقديم حضرتك للمشهد ده وبين اللي موجود في أفلام أمريكية وأوروبية، وأعتقد إن الحل في مسألة التصنيف الرقابي اللي بيتيح للمشاهد معلومات عن الموجود جوه الفيلم ويترك له الاختيار حسب معاييره؟
حتى في أمريكا وأوروبا الجنس ما كانش عادي في الثلاثينات والأربعينات، الانفتاح ده حصل بعد الحرب العالمية الثانية بفترة وبسبب تأثيرات اجتماعية وأخذ وقت طويل، وحتى في ظل تولي مثقف وأديب مثل أندريه مالرو لوزارة الثقافة الفرنسية، ظهر في عهده فيلم بتدور أحداثه داخل دير وبيعرض تفاصيل علاقة جنسية مع راهبة، وحصلت أزمة كبيرة بسببه واعتراضات على الرقابة، ولم يمر الفيلم بهدوء، وده برغم كل الانفتاح الموجود في أوروبا، واحنا الفرق الحضاري بيننا وبين أوروبا كبير، وأعتقد في القضية دي بالذات الفرق ممكن يوصل لييجي تلتميت سنة، لذلك أفضل إني أحافظ على مشاعر الناس، وبعدين المسألة كمان فيها بعد شخصي، يعني فكرة إني أستعمل الجنس في الفيلم علشان يمشي وينجح، دي تبقى إهانة للفيلم ولي كصانع ليه، وعشان كده قلت لك استحالة إني أكون فكرت في البعد الجنسي بشكل تجاري في (بئر الحرمان) وكنت حريص طول الوقت أقدم حاجات رمزية في المشهد اللي بيجمع بينها وبين الرسام، بنشوفهم في السرير، وبعدين الكاميرا بتتحرك على الألوان وبتقدم ما يفيد إن العلاقة الجنسية انتهت.

.....

نكمل الأسبوع القادم بإذن الله
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.