ميشيل

ميشيل

28 أكتوبر 2019
+ الخط -
في ما مضى، قبل قرون من عدم الحرص إلا على المصالح، كان هناك حيّ صغير غير قادر على الفكاك من عزلته إلا في نواحٍ بسيطة، ولمصادفة ما سُمّي "الانبعاث".

الحيّ أشبه بمستعمرة نمل لا يكفّ أهله عن الظهور والمشي في كل بقعة غير متوقعة ومتوقعة منه. يملك السكان حديقة رُمِّمت عن مزبلة وانتقلت المزابل إلى أكوام صغيرة تتجمع قرب المدارس حين يغيب عمال النظافة ليلاً. في الحيّ تقليد متبع، ليس غريباً، لكنه ليس معتاداً في الأحياء الأقل عزلة. يحصل كل سنة حيث يقيس الشباب بين سنّ الثامنة عشرة والواحد والعشرين معدل مقدرتهم على تحمّل العيش.

وُلد في الحيّ ميشيل، الذي كان يبدو عجوزاً منذ صغره، لكنه كان قوياً دائماً، كما صاحبه كرهه للكلب روكي القابع قرب باب براكة عمته. طوال حياة ميشيل في الحيّ لم يظفر بشيء سوى تتبع الكلب له وكره ابنة عمته. وبالتالي، لم يكن أحد يتخيل أن الأمر قد ينتهي بهما إلى الزواج.


استطاع ميشيل الخروج من عزلة "الانبعاث" لعدة سنوات عاد بعدها مغيّراً ثيابه الباهتة بثياب أكثر أناقة ودكانة في اللون، وصرامة لم يعتقد أحد امتلاكه لها، ومصحوباً بحفيدته التي بلغت الثامنة عشرة قبل أيام من التقليد، لذلك فقد شاركت فيه أيضاً. خلال يومي الاستعدادات استطاعت الحصول على صديق العمر اللطيف والأطول منها بكثير، وصداقات أخرى أقلّ عمقاً. في تلك الأثناء كان الكلب روكي قد أنجب جرواً يماثله تماماً، حتى إن ميشيل أثناء اجتيازه المسافة الخالية بين براكة عمته والرصيف المقابل انذهل صارخاً حين رأى الجرو وحيداً:
- لكن ألم أتركك هكذا قبل سنوات طويلة؟

كان أمراً صعب التصديق، فحتى الندبة التي سبّبها له لا تزال هناك. لكن روكي ظهر فجأة وراح يطارده مفقداً إياه كل المظهر الاجتماعي الذي استطاع جمعه خلال سنوات. آنذاك، كان التقليد الذي هو اختبار معقد لا تفهمه سوى الآلات المعنية بالنتائج قد بدأ.

يعتمد الأمر على أرقام مكتوبة في ساعد اليد تتغير باستمرار، أحياناً تكون متطابقة في كلا المعصمين، وأحياناً أخرى لا تكون كذلك، يعني ذلك أنك متناقض ولست جاهزاً بالكامل للحياة، وهذا ما انتهت إليه حفيدة ميشيل. كانت تقف وهي تراقب النقاط على معصميها، سألت صديقها:
- ماذا يعني هذا؟ الأرقام غير متشابهة.
- يعني أنك رسبت في الاختبار.

كان على أحمد استكمال مستويات الاختبار الباقية، وكانت هي تترجاه بكبرياء أن يظل بقربها لأن المكان موحش وخالٍ، وأن الأرقام ستتشابه قريباً. أخبرها بأنها الفتاة الوحيدة التي فشلت بين الجميع، لسبب واحد؛ وهو أنها لم تعش معهم في مكانهم المعزول. فكرت ملياً في كلامه وتوقفت عن الهلع، ولأنه انتظرها فقد فشل أيضاً. لم يلقيا بالاً للأمر، وجلسا ينتظران في بيت الجد انتهاء الباقين.

دخل ميشيل ليتفقد التقليد الهام الذي فشل فيه ذات مرة وخرج غاضباً راكلاً كل ما في طريقه حتى الكلب الذي جعله يفقد نعليه ويطأ زجاج قنينة نبيذ مكسورة. سأل ميشيل عن الحفيدة، أخبرته المرأة الواقفة عند الباب:
- لقد انتهى كل شيء، الاختبار كان عادياً ككل عام، لكنها فشلت وسبّبت الفشل لصديقها أيضاً.

لم يصدق، وبدأ في الصراخ والمطالبة بإعادة الاختبار كما اعتاد أن يراقب من بعيد الطلبة وهم يفعلون. لكن المرأة استخرجت ورقة وقالت:
- ها هي ورقة النتائج.

لكن ميشيل جعدها بدلاً من قراءتها وأخذ يلعن العائلة والطبيعة الأم والحيّ والاختبار. كان يعزم على قراءتها لاحقاً، لكن صوتاً مألوفاً طلب الورقة من المرأة انبعث من آخر الرواق جعله يلقي بها ويولي هارباً. لم ينتبه فوطئ الجرو الصغير، توقف معتذراً، لكن الكلب صاحب النباح الأقوى في الانبعاث طارده بضع خطوات قبل أن يرغمه الشبه المذهل على التوقف للمرة الثانية.

دلالات