اسمع واقرأ وشاهد... ولكن لا تصدق!

اسمع واقرأ وشاهد... ولكن لا تصدق!

23 أكتوبر 2019
+ الخط -
جميعنا سنبدو ظالمين لو نظرنا من الجهة المقابلة، فقد تختلف الحقيقة مع اختلاف الزاوية التي تنظر منها، لذلك لا تصدق أيا مما يجري حولك، فهناك دائما جزء غير ظاهر من الرواية.

وعليك أن لا تقرأ التاريخ من تلك الكتب المعتقة على الأرفف، فهي تحمل تاريخ أمم، لكن من عدسة محددة، فمن قام بكتابتها هو الطرف الذي بقي على قيد الحياة وأتيحت له الفرصة لكي يعبر عما حدث أمامه ولكن من وجة نظره الخاصة، ربما كانت هنالك قصة مختلفة دفنت تحت الثرى، لو سمعتها لوجدت فيها تكسيرا للأصنام التي كنت موقناً من صدق وجودها، لكن الموت كان له الأولية بأن يحتفظ بالقصة الكاملة لنفسه.

أما إذا أردت أن تقيّم الوضع الحالي، فعليك أن تحفظ وتمعن النظر في كل ما يجري حولك لأنك ستجد أن الكل سيقرأ التاريخ من عينه في ما بعد، وسنرى حينها كم كنا مغيبين أو ربما كنا ننظر من الزاوية الخاطئة.


ستجد أن الظالم الباغي قد أصبح بطلا عادلا ومظلوما في أعين محبيه، لأن عين المحب تبقى عمياء مهما أبصرت، فتبقى الحقيقة مغيبة وبعيدة كتلك الأجسام التي تبدو أقرب في المرآة لكنها ليست كذلك.

وأيضا هناك حقائق لا يدركها الإنسان بعقله المجرد، ربما عليك أن تفتح عين قلبك وعقلك معا، وأن تنظر مطولا، ربما استطعت أن تسمع منها إحدى قصص ألف ليلة وليلة، ولكن لا أحد يملك الجراءة لكي ينظر، فجميعنا نخاف من أن نواجه الحقائق ونتصادم مع حقيقة أننا جميعنا مذنبون، وليس بيننا أي ضحية، فكل ذلك كان جزءا من صنع أيدينا، لأنك لو تعمقت النظر ستجد أن هناك من نام باكيا لخبر جعلك ترقص فرحًا، فقد كان خبرك السعيد هو الحلم الذي فقده من بين يديه وإلى الأبد!

وحتى الراقصين سيبدون مجانين من قبل من لا يسمع الموسيقى، وهل خطر على بال أحدكم أن يسأل المجنون من سرق منه هدوءه وأفقده عقله وهويته، نحن فقط نقطع الأحكام على ما نراه منه من أفعال غير موزونة دون أن نسمع الجزء المخفي من الحكاية، لذلك دائما هناك وجه آخر للحقيقة، فالرسالة يختلف معناها إن اختلف صوت ملقيها، حتى إن عاودت قراءة الكتاب الذي ظننت نفسك تحفظه، ستجد أن في داخله محتوى مختلفا لم تصل إليه من قبل.

ولتحرص دائما على أن تسمع كأنك تنصت لصوت نملة وأن تشاهد كل ما يدور حولك كأنك تحدق للعالم من خلال ثقب إبرة، واقرأ بكل حواسك حتى تصل للمعنى المتواري خلف السطور، ولكن إياك أن تصدق أيا من ذلك.. فليس تحت هذه السماء حقيقة مطلقة.