عن آخر الحروب وعسكرة الثقافة ومختارات أخرى

عن آخر الحروب وعسكرة الثقافة ومختارات أخرى

23 أكتوبر 2019
+ الخط -
ـ "إن حياتك يا عزيزي لا تعني ما تملكه، أو ما تحصل عليه، وإنما هي ما أنت على استعداد للتخلي عنه. تلك حكمة قديمة. أعرف ذلك، ولكنها ما تزال صحيحة. أنت بحاجة إلى شيء يمكنك التخلي عنه. اتفقنا؟

قلت: وماذا إذا لم تريدي التخلي عن أي شيء؟
ـ أوه، طيب حظاً سعيداً، يتعين عليك أن تتخلي عن شيء ما.
ابتسمت وقبّلتني مجدداً، وقالت: ذلك حقاً ليس واحداً من الخيارات المطروحة، فينبغي أن تتخلى عن شيء ما، تلك هي القاعدة، إنها القاعدة الكبرى بالنسبة لكل شيء".
                             من رواية (حياة وحشية) لريتشارد فورد ترجمة كامل يوسف حسين

ـ "وتأتي مرحلة العسكريتاريا البرجوازية ـ لعنها الله في الماضي والحاضر والمستقبل ـ فيها تعسكرت الثقافة كما حدث لكل شيء. وفي مصر، التي رزح العسكر على قلبها ربع قرن ـ وهي كارثة لم تحدث لأي قطر عربي آخر ـ سارت الثقافة بنفس منهج الانضباط العسكري بشعار: الأمر والطاعة، نفذ الأوامر ثم تظلّم. اكتب لتنافق. ارتد قناع الرتبة الأعلى. ما في

داخلك ليس مهما. يعرف صاحب الرتبة الأعلى أنك تغلي من الداخلي وتحتقره، وربما تشتمه سرا، لكن ما يهمه فعلا هو أن يجبرك على أن تنفذ له ما يريد. إنه بالقطع مريض نفسيا، يتلذذ بتحطيم إنسانيتك، في علم النفس يسمون ذلك سادية، عندما يكون القائد يمينياً فعلى اليساريين أن يستميتوا في الدفاع عن اليمينية، وإلا فليس لهم عندنا سوى منفى الواحات ومعسكر أبو زعبل، والضرب حتى الموت لشهدي عطية، والإذابة في المحاليل لفرج الله الحلو، فإذا انقلب القائد فأصبح يسارياً فعلى اليمينيين المساكين أن يشتروا أردية اشتراكية من أقرب محل وأن يسارعوا باستيراد كل شعر الهجاء ليسبوا اليمينية ويزدرونها وإلا طردوا وشُرِّدوا"
                         صلاح عيسى من كتاب (مثقفون وعسكر) الصادر سنة 1986

ـ "قال مري: لا أثق بنوستالجيا أي شخص سواي. النوستالجيا نتاج للسخط والغضب. إنها من رواسب الشكوى بين الحاضر والماضي. وكلما اشتدت النوستالجيا تعاظم اقترابك من العنف. الحرب هي الصيغة التي تأخذها النوستالجيا حين يُرغم الناس على كيل المديح لبلادهم".
                                    من رواية (ضوضاء بيضاء) لدون ديليليو ترجمة يزن الحاج

ـ "طوبى لمن وضع زهرة على قبر أو قصر أو صدر، ولمن ولد في الشهر السابع أو الثاني عشر، ولحلق يصبح حلقوما، ولمن ذبح حصانه الوحيد كرماً، طوبى لمن جثا استغفارا أو اشتهاء، ولمن حمل على الظهر صليبا، ولمن أشعلت النار تحت ماء الحصى تضليلا لجوع عيالها، ولخشم يصبح خيشوما، ولزمن كانت الزوجة فيه تجمع أشلاء قرينها ليحيا، ولحق يفزع وجلاً داخل شق الباطل، ولوطن يأكل ثرثرة الباطل، ولوطن يأكل ثرثرة السطوة، ولبلع يصبح بلعوماً، طوبى لمن جعل أذناً من طين وأذناً من عجين حتى قُطِعت رأسه، ولشمس لا تزال تطلع شرقاً، ولنجم ثاقب في يوم غائم"
                                                       محمد مستجاب من قصته (مستجاب السابع)

ـ "ليس التاريخ هو الذي يدعونا إلى التخلي عن عملنا الشريف، إنه الكسل وإغواء الكسل. الكسل واقع بطريقة لا تنطبق على التاريخ. يمكن أن نشعر به بحواسنا. يمكن أن نشعر بظواهره كلما استلقينا على العشب وأغلقنا عيوننا وأقسمنا بأننا لن ننهض مرة أخرى، حتى حين تنطلق الصفّارة، متعتنا حلوة جداً. أي منا سيقول وهو يتسكع على العشب في يوم مشمس، يمكن أن اشعر بالتاريخ في عظامي يقول لي لا تنهض؟ لا: إنه الكسل نشعر به في عظامنا، لهذا لدينا التعبير: ليس في جسمه عظمة كسول".
                    من رواية (طفولة جيسوس) لـ ج. م. كوتزي ترجمة عبد المقصود عبد الكريم

ـ "يحتفظ كل فنان في داخله بنبع وحيد يغذي طوال حياته ما هو عليه وما يقول. حين يجف النبع، نجد النتاج يخشوشن شيئا فشيئا، ويتشقق. إنها أراضي الفن البخيلة التي لا يرويها قط التيار السري. بات شعر الأرض نادراً وجافاً وبات الفنان المغطى بالحشفات، ناضجاً للصمت، أو للصالونات، وهما الشيء عينه. بالنسبة إليّ، أعرف أن نبعي هو الوجه والظهر، في عالم الفقر والضوء هذا، حيث عشت طويلا، وتحصنني الذكرى بعد من خطرين اثنين متناقضين يهددان كل فنان: الغيظ والرضا".
ألبير كامو في تصدير كتابه (الوجه والظهر) وقد قرأت المقتطف في رواية (الرجال الذين يحادثونني) للروائية أناندا ديفي ترجمة شربل داغر ومراجعة د. ليلى عثمان فضل

ـ "يمكنك أن تلاحظ حين يكتم الآخرون مشاعرهم أو أفكارهم، وكذلك حين يتصنعونها.. لكن من ذا الذي لم يتصنع، أحياناً، بعض المشاعر كمحاولة لملء الفراغ الذي ينسج خيوطه بينهم وبين من يظنون أنهم في علاقة حميمة معهم؟ يبدو أنه من المستحيل أن تكون حقيقياً إلا في لعبة يكون لديك فيها أكثر من حياة واحدة. أو على نحو أدق، يسهل تحقيق العدالة والصدق في لعبة، عن تحقيقهما في الحياة الحقيقية".
                           من رواية (لا قديسون ولا ملائكة) لإيفان كاليما ترجمة إيمان حرز الله

ـ "يولد الفن في المخالفة، ويعيش في المشادّة، ويموت في الحرية! فاعجب لذلك الوليد المنقطع النظير: يخرج من الطبيعة فيخالفها، ويتقلّد سلاحها فينازلها، ثم إنه يقع إلى الأرض خاسفاً، ذاوياً، فاتر القوى، يوم يشيح عنها بوجهه! فإنما الصنيع الفني هو مفرد، ما دام لا يشبه صنيع الطبيعة، متحرك ما دام لا يسكن إلى قسرها، متزن ما دام لا يبعد عن دائرتها، وبذلك يكون في صفاته الثلاث: تفرّد، وتحرّك، واتزان. وإن الفن والطبيعة لا يبرحان في المشادّة منذ ما كوّرت هذه الأرض، فهما يلتقيان أو يتعانقان (على لغة بعض المساكين من الكتاب!) إلا أن الفن (وذلك من سوء حظ هؤلاء) لا يعانق أمه الطبيعة إلا ليشد على خناقها، فهو يخرج مثلاً القصيدة في زهرة الورد، وتخرج هي زهرة الورد، نفسها، فإذا القصيدة من ناحية النَفَس، والأداء، دع التوفيق فيها، أو الخيبة، لا يُلقى نظير لها في القصائد، في حين أن زهرة الورد لا تكون فريدة نوعه، وهذه نظائرها، سنَّةً وامَّةً، نوابت في كل صعيد ـ زهرة الورد كأختها زهرة الورد، أبداً، ومن هنا يتعالى الفن، ويتفرد وتتدنى الطبيعة، وتتبذّل، فإن صنيعه وحد، وصنائعها أحاد، ولذلك ما قيل أن الطبيعة تغار من صنوها هذا المتكبر، وكأنما تعنت نفسها في مجاراته".
                                                              أمين نخلة من كتاب (تحت قناطر أرسطو)

ـ "قال محمد بن يسير:
إن الأمور إذا استدّت مسالكها
فالصبر يفتح منها كل ما ارتُتجا
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبةٌ
إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
لا يمنعنك يأسٌ من مطالبةٍ
فضيّق السٌّبلِ يوماً ربما انتُهِجا"
                                        رواه الجاحظ في الجزء الثاني من (البيان والتبيين)

ـ "في الحروب يبكي المهزوم ويستذل، أما المنتصر فمن حقه الزهو والابتهاج، لكن فرحته تكون غارقة في دماء غزيرة ولهذا تكون ناقصة، ولعل ذلك هو سر انقباضي، ولعله عدم الاطمئنان بأن الأمر انتهى بالفعل، وربما كان السبب هو دعاء أمي كلما رأت أحد الجنود بأن تكون الحرب الأخيرة هي آخر الحروب، تلك الحرب التي ملأت حياتي وأخي وجيلنا كله منذ ولدنا، بحيث صارت تشكل ذكريات لا تنسى، هي من أخص شئوننا العائلية، فهل تكون حقا آخر الحروب"
                                    مجيد طوبيا من مجموعته القصصية (الحادثة التي جرت)

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.