شاعر في زيارة الأمن العسكري

شاعر في زيارة الأمن العسكري

07 يناير 2019
+ الخط -
بعضُ الأصدقاء الذين شاركونا جلسةَ الإمتاع والمؤانسة في بلدة "الريحانية" التركية أواخر سنة 2012، حاولوا أن يَخْرجوا عن سيرة الشاعر المُخبر "فلان الفلاني".. ولكن اتضحَ أن معظم الحاضرين كانوا يحبون الحديث عن الأدباء وأجواء الأدب، لذلك أصروا على سماع تتمة السيرة.

قال الأستاذ كمال: والله الحق معكم، فسيرة فلان الفلاني لا تقل جاذبية عن سيرة "زُوْبُكْ" الشهيرة.
قال العم أبو محمد: على ذكر "زوبك".. نحن نسمع بهذا الاسم منكم بين الحين والآخر، وما منعرف عنه شي. فإذا في مجال خلي يتفضل حدا منكم ويحكي لنا عنه.

قلت: يا عمي أبو محمد، الروائي التركي الساخر عزيز نسين ابتدع شخصية "زوبك" قبل زمن طويل، وفي سنة 1987 ترجمها صديقُنا عبد القادر عبدللي إلى العربية وصدرت عن دار الأهالي.. وللعلم فإن عزيز نسين اشتقَّ تسمية "زوبك" من الزئبق، باعتبار أنه شخصية زئبقية.


قال كمال: يا ريت يسمح لي أخي أبو مرداس بمقاطعته. برأيي أن حكاية الشاعر المخبر فلان الفلاني شبيهة جداً بحكاية "زوبك" الشهيرة. زوبك رجل غير سياسي، ولكنه محتال، ويجيد السير في ظل مؤسسات السلطة. كان، في بداياته، يُمَثِّل على أهل بلدته البسطاء أدواراً يوهمهم خلالها بأنه ذو علاقة بكبار المسؤولين في العاصمة "أنقرة"، وبأن المسؤولين يراسلونه ويعتمدون عليه بتنفيذ سياساتهم في هذه المناطق النائية. يعني، باختصار، زوبك رجل السلطة هنا. وكان الناس في البداية يستخفون بزوبك، ليقينهم أنه صغير إلى درجة لا توصف، وربما كان لا يعرف أنقرة على الخريطة، ولم يعرف من المسؤولين غير صورهم التي تنشر في الصحف. ولكنهم، في قرارة أنفسهم، كانوا يحسبون له ألف حساب، وبعضهم كان يبرم معه صفقات سرّية، باعتباره مقرباً من السلطة، وعزيز نسين، ببراعته المعهودة، نحت من اسم زوبك مصطلحاً سياسياً فلسفياً، فكان يسمي الخوف المشوب بشيء من الانتهازية والطمع والخبث (الزوبكيّة)..

قلت: والله إن كلام الأستاذ كمال دقيق جداً. والحقيقة أن الشيء نفسه حصل بخصوص الشاعر المخبر فلان الفلاني، فبعد زمن ليس بالطويل، ما عاد أحد يكترث لكونه شخصاً حقيراً، وأن شعره (بيهَوّي)، بل صار الأدباء والناس العاديون يحسبون حساباً لكونه يدخل على رئيس فرع الأمن العسكري من خلال الباب المخصص لكبار الزوار! بل إن له مع هذا الضابط الكبير لقاء دورياً يُطلعه فيه على أخبارنا نحن الأدباء، من خلال تقارير مكتوبة، معظمها كيدية، ويستطيع، كذلك، أن يزور ضباط أمن الدولة، والسياسية، ولا يكلفه الأمر سوى أن يقف أمام موظف الاستعلامات ويقول له: قل للمعلم بأني أريد أن أزوره. فيقول له عنصر الاستعلامات: مين نقول له؟ فيقول: أنا فلان من اتحاد الكتاب العرب.

فيأتيه الجواب بعد قليل: تفضل.
فيدخل ويحكي باسم اتحاد الكتاب العرب كما لو أنه واحد من مؤسسيه، ويستخدم عبارات من قبيل: والله أمس في اجتماع قيادة الاتحاد جبنا سيرتكم بالخير.. أو نحن في الاتحاد نرى.. إلخ.
قال العم أبو محمد: بهالسرعة؟ طيب هو أيش صفته في اتحاد الكتاب العرب؟

قال الأستاذ كمال: هو واحد من خمسمئة عضو اتحاد الكتاب العرب في سورية، بل إنه ليس عضواً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وقد حكينا لكم كيف احتاجوا لمعجزة حتى قبلوه عضواً.. ولكنه استفاد من مسألة مهمة جداً هي أن أعضاء اتحاد الكتاب الآخرين لا يمتلكون الشجاعة ولا الرغبة في التعرف إلى ضباط المخابرات، فهؤلاء يتعاملون مع الناس مثلما يتعاملون مع المحارم الورقية، يمسحون بها أيديهم الوسخة، أو مؤخراتهم، ثم يرمونها في الزبالة، والحقيقة أن فلاناً ليس لديه شيء يخسره، فهو في الأصل زبالة.

للحديث صلة
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...