تقرير أمني أصعب من ضرب البوكس

تقرير أمني أصعب من ضرب البوكس

28 يناير 2019
+ الخط -
في جلسة الإمتاع والمؤانسة التي عقدت في منزل "أبو زاهر" بمدينة "الريحانية" التركية ذاتَ يوم، ظهر الأستاذ كمال في أحسن حالاته. كان متألقاً بالفعل. قال بعدما تناولنا الطعام: إن الإكثار من أي حديث يبعث على الملل، فمثلاً، نحن حكينا، حتى الآن، أكثر من عشر حكايات عن الشاعر المخبر فلان الفلاني، ومع ذلك لم يتململ أحد منكم.

قال العم أبو محمد: بتحب أنا أقول لك أيش السبب؟
قال: تفضل.
قال أبو محمد: نحن الناس العاديين اللي ما منقرا ولا منكتب في عندنا فكرة أن الشاعر إنسان محترم، يعني متل نزار قباني (يلفظها: قْبِّيْنِي) وما بعرف مين، بس إنتوا قدمتوا لنا هاد الشاعر على أنه شخص منحط، إذا فقدته ضمن غرفة وأردت أن تبحث عنه لا بد أنك تلاقيه بين الأحذية (الصرامي)، ولما نحن منحاول نتخيل منظره، أول شي بيخطر لنا أن له (زنبحة) يلدغ بها الناس متل العقرب، وبالنسبة للممسحة اللي ننضف بها الأرض من الوسخ عندها كرامة أكثر منه.. لهذا السبب لا يمكن نمل من سيرته.

قال كمال: أبوس روحك يا عمي أبو محمد، والله أنك اختصرت علي الكثير من الشرح، وأنا كلما خطر لي أن أحكي عن هذا الرجل أتذكر الطرفة اللي صاغها أخونا أبو المراديس عنه.
قال أبو الجود: أيش قال؟


قال كمال: كنا مرة في اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وجاء واحد من أدباء محافظة اللاذقية وسألنا: هلق هادا فلان الفلاني من عندكم؟ قلنا له: نعم، للأسف. قال: دخلك وهاد الزلمة شو بيكتب؟ فقال له أبو المراديس: بصراحة هو يكتب شعر وتقارير أمنية، وسمعت مؤخراً أنه أقلع نهائياً عن كتابة الشعر!

ضحك الحاضرون، وقلت: لو أننا نظرنا إلى الموضوع بشكل جدي لوجب علينا توجيه الشكر لفلان الفلاني، فهو يقوم بعملين ضارين للناس، كتابة الشعر والتقارير، وقد تخلى لأجلنا عن أحدهما. والله العظيم يُشْكَرْ.

قال الأستاذ كمال: يشكر إذا كان تخلى عن الشعر وأبقى كل شيء على حاله.
قال أبو الجود: لم أفهم ملاحظتك يا أستاذ.
قال الأستاذ كمال: الشيء المخيف، الشيء الذي لا تعرفونه (حضراتكم) هو أن فلاناً الفلاني، عندما ترك الشعر تفرغ للتقارير، وصار تقريره من النوع الذي لا يقف عليه حكيم. وبالمناسبة، أريد أن أسأل العم أبو محمد: من وين جاءت هذه العبارة؟ قصدي: لا يقف عليه حكيم؟

قال أبو محمد: من زمان كان في عنا واحد هون في البلد، لديه قوة بدنية كبيرة. هذا الرجل تشاجر مرة مع جاره، فضربه بالبوكس. الجار وقع على الأرض من عزم البوكس. أهل الحارة حملوه إلى دكتور البلدة، وضعوه على الطاولة، فحصه الدكتور، فوجد سحجة كبيرة في خده، وبعض الأسنان مقلوعة وعالقة بشفته، وعينه مطمورة بوزمة حمراء وخضراء وزرقاء، والدم يسيل من طرف فمه.. مصمص الدكتور شفتيه وسألهم: أيش صاير معه؟ قالوا: ضربه جاره بالبوكس. فقال: هذا البوكس لا يقف عليه حكيم. في الحقيقة أنه يحتاج لمجموعة من الأطباء والاختصاصات.

قال كمال: هكذا أصبحت تقارير فلان الفلاني بعدما تخلى عن كتابة الشعر. الله لا يوفقه.

للحديث صلة

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...