واتساب والشائعات... كما وصلني!

واتساب والشائعات... كما وصلني!

27 يناير 2019
+ الخط -
كم مرة أعدت إرسال رسالة واتساب دون أن تتأكد من محتواها؟ لا تتوارى خجلًا؛ فلست وحدك ولن تستطيع لاحقًا، وإن كنت من القلة القليلة، فلربما أمطرك بعضهم بسيل من تلك الرسائل، مستخدماً خاصية إعادة توجيه الرسائل "Forward" ثم يذيِّلها أو يوطِّئ لها بجملة مقتضبة (كما وصلني)، أو أن يتأثر بلغة أهل الجرح والتعديل فيكتب (والعهدة على المصدر أو الراوي)، ويتحول إلى قاذفة شائعات روسية طراز تورنادو أو سميرتش!

أقلقت هذه العملية أصحابنا في واتساب؛ فأعلنوا أن الخدمة ستخفض عدد الرسائل المعاد توجيهها إلى خمسة رسائل فقط لمكافحة المعلومات المضللة والإشاعات. وكما وصلني مجرد حلة جديدة للرداء القديم (بيقولك، دول بيقولوا، سمعت إن، صدِّق أو لا تصدِّق.. إلخ)، وكلها في سياق المجاهيل، وتنمي حاسة التخيل والتخمين وسوء الظن، وتخلق ضجة تطول أو تقصر. والطبيعي أن كثيرًا مما يصل إلينا عبر وسائل التواصل ليس بريئًا، وغالبًا ما يكون موجهًا بشكل ما ليخدم فكرة أو توجهًا بعينه.

تبدأ الشائعات عادة بتضليل متعمد، وتنتشر سريعًا وتلف العالم الافتراضي، وقد تبدأ أنت الفرية وترسلها لأصدقائك وتتسع الدائرة، ثم ترجع إليك بعد أن أخذت دورتها؛ فتظن من قوة دويها في الأفق أنها حقيقة، وتجد نفسك بين غمضة عين وانتباهتها تحولت إلى "أشعب الطفيلي"، وقد صدق الشائعة الذي أخرجها من لسانه عامدًا متعمدًا!


ربما تبدأ الشائعة بتفسير مغاير للواقع، ويقتطع أحدهم محادثة تليفونية أو رسالة واتساب أو مقطع فيديو من سياقه، ثم يبني عليه نسجًا من خيالاته، ولا بأس أن يتقمص دور هيتشكوك أو جورج روميرو أو ستيفن كينغ؛ ليضمن حبكة حريفة للرسالة أو المقطع، ويحتدم النقاش وتلتهب الصدور، بينما ينفش ريشه زهوًا ويرفع منكبيه حذو أذنيه بهدوء: لا ذنب لي، نقلتها كما وصلتني!

كما وصلني لها بعد آخر؛ فقد تتحول إلى أكل عيش "سبوبة" يحترفها البعض؛ فيطيِّر شائعة أو ينشر فضيحة، ويجني منها شهرة أو يمارس بها ابتزازًا أو ضغطًا، والنتيجة شبه مضمونة! ويكثر القيل والقال، وتنتعش مجالس النميمة في العالمين الواقعي والافتراضي، وفي الغرب تنشر الصحف تلك النمائم تحت عناوين براقة مثل Blind item أو Gossip Column وغيرها.

نعم وصلتك، لكن يفترض أن تُعمِل عقلك، وأن تبحث في الأمر إن كنت مهتمًا بإعادة النشر، وإلا فالحذف أولى. يفترض أن الشائعات مادة دسمة للرميات والطفيليات، ووجبة للحيوانات أو علف مجاني للمواشي، بينما يعافها الأسوياء من البشر. الشائعة جسم هلامي قد يبنى على جزء من الحقيقة، وليس معنى أن الجزء حقيقي أو صحيح أن نقبل الكل؛ فالبعض يختلط عليه هذا الأمر فيقبل الشائعة برمتها لمجرد أنها حملت رائحة الحقيقة!

لا أعلم الحكمة من تقليص عدد الرسائل معادة التوجيه إلى خمس رسائل يوميًا، لأن عدد مستخدمي واتساب في العالم حوالي 1.5 بليون شخص، وهذا معناه أن رقم الرسائل معادة التوجيه لا يزال كبيرًا، لكنه في الوقت نفسه أقل من السابق، وإني لأعلم أشخاصًا يعيدون إرسال الرسائل بكرم حاتمي رفيع المستوى، وهذا ما يدعوني لإرسال باقة ورد للسيدة فيكتوريا جراند، أو الدعاء لها بظهر الغيب وتوفير تكلفة باقة الورد.

يمكنك تجنب أن تكون مادة للشائعات نوعًا ما، وبِناءً على القاعدة الحكيمة "من ألَّف فقد استُهدِف"؛ فإن استعمالك لمنصات التواصل الاجتماعي يضعك في قائمة المؤلفين، فأنت تكتب ما يجول بخاطرك وما يدور في بؤرة اهتمامك، وهنا إما أن تضيِّق دائرتك، أو تتوخى الحذر في ما تعرضه، وليتك تسلم.