الشاعر الذي كتب تقريراً بوزير الثقافة

الشاعر الذي كتب تقريراً بوزير الثقافة

24 يناير 2019
+ الخط -
كنا نعقد جلسات "الإمتاع والمؤانسة" في مدينة الريحانية بالمصادفة، وفي فترات متقاربة، وبالأخص في عصور الصيف. كثيراً ما كنا نلتقي في بيت أحدنا، أو في الحديقة العامة الكبيرة القريبة من "دار الشفاء"، التي يديرها صديقنا المحامي ياسر السيد وهي متاخمة لـ دوار البُرْكة.

الحقيقة أن المحور الأساسي للأحاديث التي كانت تدور في جلساتنا، ينتمي إلى تاريخنا الاجتماعي والسياسي والفني والعاطفي السوري، لأن ما حصل ببساطة، هو أننا اضطررنا للّجوء في هذه المدينة بأجسادنا، بينما أرواحنا بقيت معلقة بسورية.
قال أبو الجود محاولاً التفلسف: قصصنا مؤلمة وموجعة، ولكننا عندما نتذكرها ونتداولها الآن نجدها حلوة ولذيذة.

قال أبو زاهر: إذا كانت المسألة على هذه الصورة فأنا لازم أن أسكت. لأن الآلام التي ذقتها في سجن تدمر خلال ست عشرة سنة صعب كتير تصير حلوة ولذيذة. تفضلوا أنتم واحكوا لنا.
قال العم أبو محمد: طالما فيه بيناتنا كتاب وأدباء يا ريت تخلونا نستفيد من قصصهم وحكاياتهم. وبصراحة أنا كتير حبيت حكايات الرجل القروي "فلان الفلاني" اللي عملوه شاعر ونَسَّبُوه لاتحاد الكتاب العرب، وصار يكتب تقارير بحق أدباء محافظة إدلب للمخابرات.
قال الأستاذ كمال: بالفعل هادا فلان الفلاني قصصه ما بتنتهي. ولكن أحلى شي يوم كتب تقرير للمخابرات بحق وزير الثقافة!


ضحك الحاضرون وقال أبو مصباح: يخرب بيته أشو جحش. وصلت معه يكتب تقارير بالوزير؟
قال كمال: في سورية، متلما منعرف كلنا، ما حدا بيقيم وزن لوزير أو مدير عام أو حتى لرئيس وزراء. وكتاب التقارير ما في عندهم ذقن ممشطة، ولا في عندهم (عَمَّكْ خَالَكْ). المهم، إذا كنتم تريدون أن تعرفوا ما جرى؛ في إحدى السنوات أعلنت وزارة الثقافة السورية إقامة مهرجان في معرة النعمان يحمل اسم فيلسوفنا الكبير أبي العلاء..

ومن لحظة نشر الإعلان في الصحف الثلاث (البعث والثورة وتشرين)، راح الشاعر المخبر فلان الفلاني يتصرف كما لو أن أحداً من الناس أمسك به وبطحه أرضاً وكشف عن مؤخرته، ورش عليها كمية وافرة من مادّة النشادر، ثم سمح له بالمغادرة، فراح يركض، بفعل لذع النشادر، من شعبة الحزب إلى فرع الحزب، إلى فرع الأمن السياسي، إلى الأمن العسكري، إلى مقر اتحاد الكتاب العرب، وشرع يقترح تسجيل أسماء شعراء مناضلين يحق لهم - برأيه - أن يشاركوا في هذا العرس الجماهيري الذي تقيمه وزارةٌ تابعة لحكومة تابعة للقائد (التاريخي) بشار ابن القائد (التاريخي) حافييظ، ويطالب باستبعاد مشاركة أدباء وكتاب معادين للنهج التقدمي النضالي المقاوم للقائدين الأب والابن، وبالأخص الأدباء الأربعة الذين خانوا الوطن وباعوا دماء الشهداء وارتضوا لأنفسهم التوقيع على بيان حقير يطالب بالديمقراطية، وما أدراكم ما الديمقراطية، السم الزعاف الذي يوضع في الدسم، ظاهرُها المطالبة بالحريات وإخلاء سبيل المعتقلين السياسيين وإصدار قانون للأحزاب والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ومضمونها الحقيقي هو التآمر على صمود سورية ومحور المقاومة وتسليم مقدّرات البلاد للعدوّ الصهيوني المعادي لـ الأمة العربية الواحدة - ذات الرسالة الخالدة.

تساءل أبو الجود: هل كان فلان الفلاني يقول كل هذا الكلام من تلقاء نفسه، أم أن وزارة الثقافة أخذت رأيه؟
قال كمال: عندنا في الضيعة عندما يرد ذكرُ رجل من أمثال الشاعر المخبر فلان يقول الناس: مين هاد؟ وأيُّ كَعْتُولة في رِجْل دَجاجة هو؟ طبعاً لم يستشره أحد، ولكنه مناضل، وقفاه مدهون بالنشادر، فهل يسكت؟

قال العم أبو محمد: وعلى أي أساس كتب تقريراً بحق الوزير؟
قال كمال: الوزير رفض الامتثال لإملاءاته، ودعا بعض الأشخاص الذين يمكن وصفهم بأنهم معارضون.

تدخلتُ قائلاً: كلام الأستاذ كمال صحيح. وبحسب ما علمت فإن أكثر شيء أغاظ المخبر فلاناً هو أنه قرأ اسمي بين المشاركين، ووقتها صاح بملء صوته: تعالوا شوفوا يا رفاق يا مناضلين يا شرفاء، وزير الثقافة يدعو كاتباً معادياً للسيد الرئيس بشار لحضور مهرجان المعري.
وفي رواية أخرى أنه صاح في ختام جملته: الله أكبر!

وللحديث صلة
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...