استدعاء أمني لأجل البطانية

استدعاء أمني لأجل البطانية

21 يناير 2019
+ الخط -
أتينا، خلال جلسة الإمتاع والمؤانسة التي انعقدت في مدينة الريحانية التركية في أواخر سنة 2012، على سيرة الشاعر المُخْبِر فلان الفلاني الذي كان يحاول إيذاءنا بالتقارير الأمنية، ولكننا كنا ننجو منه باستخدام الحكمة التي تَعَلَّمَها الثعلبُ من رأس الثور المقطوع ــ كما جاء في قصة كليلة ودمنة ــ وتعلمناها نحن من الثعلب.

قال العم أبو محمد مخاطباً إياي: ذكرتَ لنا أنك اسْتُدْعيتَ إلى فرع الأمن العسكري صبيحة الأمسية الأدبية التي اشتركتَ بها في بلدة "بنش" من تحت راس هادا الواطي فلان الفلاني.

قلت: نعم. وكان هذا في سنة 2004 على ما أذكر. وأما عنوان القصة التي ألقيتها في مركز بنش الثقافي واستدعيتُ بسببها فهو: "وقائع ما جرى تحت البطانية". وقد تبين لي، فيما بعد، أن الشاعر المخبر فلاناً الفلاني كان على صلة بمخبر من بلدة بنش، والمخبر البنشي أعطاه نبذة عن الموضوع، فتولى هو عملية صياغة التقرير، ورش عليه البهارات، وسلمه لرئيس فرع الأمن العسكري شخصياً.

وتابعت أقول: للأمانة والتاريخ فإن استقبالي في الفرع، يومذاك، لم يكن سيئاً. السيّئ كما تعلمون هو الاستدعاء بحد ذاته، ففي سورية المواطن المُسْتَدْعَى يُمضي الليل بطوله وهو يفكر في الاحتمالات التي جعلتهم يستدعونه. فكرتُ أن يكون بسبب التهمة القديمة، وهي توقيعي أنا وعبد العزيز الموسى وعبد القادر عبدللي وتاج الدين الموسى، على بيان إحياء المجتمع المدني (بيان الألف).. قلت لنفسي: ولكنهم استدعونا، لأجلها، عدداً من المرات حتى أصبحت أمراً مملاً لنا ولهم، فما الجديد حتى أستدعى لنفس السبب الآن؟ وذهب تفكيري إلى صداقتي مع عدد كبير من الشيوعيين من حزب العمل، وبقية الفصائل الجبهوية، وفكرتُ في أنني ربما كنت أسهر مع أصدقاء في مكان ما، وَزَلَّ لساني ببعض الجمل والعبارات التي يمكن تفسيرها بأنني أعادي الوضع السياسي القائم (وأنا أعاديه فعلاً ولكنني أتحفظ في الكلام عادةً).. دواليك حتى أصبح الصباح وذهبت إلى الفرع. وعند الباب عرفت أنني مستدعى إلى مكتب رئيس الفرع شخصياً. وهذا زاد من إحساسي بخطورة الموضوع.

في مكتب رئيس الفرع لم أعامل معاملة المعتقلين والمشبوهين، بل إنهم قدموا لي فنجاناً من القهوة، وجلس رئيس الفرع على الكرسي المقابل لي، دلالة على رفع الكلفة. بدأ حديثه بالسؤال عن أحوالي، كما لو أننا أصدقاء لم نلتق منذ زمن، وأكد لي أنه وأسرته يتابعون مقالاتي ومسلسلاتي بإعجاب.. وهذا ما جعلني أتجرأ وأسأله عن سبب الاستدعاء.. فقال: لماذا تسميه استدعاء؟ كل ما في الأمر أنني أحببت أن تزورنا لأتعرف عليك عن قرب، ونتحادث أنا وأنت في شؤون البلد التي تهمنا معاً بوصفنا أناساً وطنيين ونحب بلدنا.

قاطعني أبو زاهر، وقال: يخرب بيته.. هاد الزلمة أكبر حرامي ونصاب في العالم، ومع هيك ساوى نفسه بك، وادعى أنه رجل وطني وأن أمور البلد تهمُّه.

قلت: أنا أحكي لكم ما جرى يا أبو زاهر، حتى إنه أخبرني بأن الوريث بشار الأسد قد طلبَ من جميع الفروع العمل على تحسين صورة المخابرات في أعين الناس، لذلك هو يريد أن يعرف إن كان لدي اقتراح يمكن لهم أن يستفيدوا منه في هذا المجال.

ضحك أبو الجود وقال: اقتراح؟ الله وكيلك صهريج البلدية ما بيكفي لشطف الوسخ تبع المخابرات، أيش بده يساوي اقتراحك؟

قلت: ولا نهر العاصي ممكن ينضف هدول الجماعة. المهم يا شباب أنا صبرت إلى آخر اللقاء وكررت السؤال عن سبب الاستدعاء. فما كان منه إلا أن قال: خلص الموضوع عادي.. أنت من كم يوم قريت قصة في بلدة بنش، وفي ناس احتجوا عليها قال أنها بتخدش الحيا.. بعدين الشباب جابوا لي منها نسخة وأنا قريتا ولقيتا عادية. فرصة سعيدة يا أستاذ خطيب.

*للحديث صلة..
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...