الحاجة والعجب وما بينهما

الحاجة والعجب وما بينهما

17 يناير 2019
+ الخط -
ما أحوجنا، في هذه المتاهة التي نعيشها اليوم، إلى ضبط النفس أكثر فأكثر، كي لا نقع في لومةِ لائم، أو حاسدٍ حاقد، وبعدها نلطم وجوهنا، ونؤرشف لواقع مسّه الجنون والاغتصاب، والاعتراف السائد، تماشياً مع ما نردّده اليوم: "معاهم معاهم، عليهم عليهم"!

وما أحوجنا، في هذه البقعة من الأرض، أن نحتكم إلى العقل الذي يشير علينا بالصبر، وإن كنا نعيش في ظل دمٍ يُراق، ونَفسٍ زكية تنشد بارئها الوفاء بالعهد، على أن نخلي لها الطريق، وأن نلوذ في معترك الهاوية، وأن ننشد لها الأمل والحرية، واللقاء بالأهل، وكل ما يربطنا بتلك الأرض الخيّرة المعطاء.

وما أحوجنا، إلى فارسٍ صنديد، لم يسبق أن رأته العين، أو سمعت به الأذن، ليعلن خلاصنا من هذه المتاهة التي نعيش، وإن صعب عليه التحدي!

وما أحوجنا، إلى أن يكون التعامل الحسن، والاعتراف بالذنب، وهو فضيلة الفضائل، واتساع صدرنا لأي قضية، أو مشكلة تواجه مصيرنا، وكل ما له علاقة بالضمير والوجدان، والأنا والـ نحن.

وما أحوجنا، أن نتخلى عن أسلحتنا، وآلات القتل والتدمير، وكل ما هو مؤذٍ، وبانتظار نتائج مؤتمرات جديدة قادرة على حل قضيانا العربية الميؤوس منها، وقد تحُلّ الكثير من الرواسب، والمنغّصات، والآلام والأوجاع، ونرنو إلى مراسيم وقوانين وقرارات وأوامر وتعليمات جديدة، وحياة جديدة، وشعب جديد، وفكر جديد يتماشى مع نتائج المؤتمرات الخادعة، وضياع الوقت بلا فائدة منها!

وما أحوجنا، إلى أن نغسل قلوبنا من كل ما هو ضارّ، ونبرئ ساحتها من الغل والبغض والحقد، والعمل بما يرضي الله..

وما أحوجنا إلى كلمة حق، وإعلان الثوابت، والبعد عن كل ما يؤلّب مشاعرنا التي انطلى عليها المصائب، وساحات الاقتتال تشق غبارها، وتعترف بأخبارها.


وما أحوجنا، إلى الالتفاف بعضنا على بعض، وبحبٍ صادق، خليّ من الحقد والحسد والغيرية، على أن تكون في نطاقها الشريف، والتنافس بما يخدم المجتمع والعامّة، لا أن تورّث الكراهية، وكل ما يسيء إلى أخلاقنا.

ما أحوجنا، أن نبعد عن أنفسنا الخداع، وصوره التي تؤلّب القلوب وتدميها، ويلفظها المجتمع، وأن نكون أكثر صراحة في كل ما يدور حولنا، بعيداً عن العودة للماضي، والتمجيد للأطلال، وعلى المرء أن يتغنى بأفعاله، لا بما جاد به عليه أجداده، ومثالنا في ذلك ما أشار إليه شاعرنا:
ليس الفتى من يقول كان أبي.. إنما الفتى من يقول ها أنا ذا.
وما أحوجنا، إلى أن نعيد النظر بالغيرية التي فقدناها، وأن نظهرها، لأن من الصعوبة بمكان أن نحجب الشمس بغربال!!

وما أحوجنا إلى الصدق، لأنه مظهر حضاري، ويزيد ثقتنا بأنفسنا، ويدفع بها نحو تحقيق ذاتها. وما أحوجنا إلى قول الحقيقة، لأنها تعنى أكثر ما تعنى برغد العيش بين أصدقائنا ومعارفنا.

وما أحوجنا إلى صحافي متفهّم مقنع في هيئته وكتاباته، وحسّه الإعلامي الكبير، وفي معرفة مداركه ليقنعنا بالتالي، بما يَحدث في الوقت الحالي على الساحة العربية من أحداث فظيعة، والعمل على نبذ كل من أساء لصاحبة الجلالة التي عَرفت - وللأسف - متطفلين كثراً، وأخذوا دور غيرهم، وسجلوا حضوراً لافتاً، وهم في حقيقة الأمر ما يخدعون إلّا أنفسهم، وهذا ما تجلى في الكثير من المواقع الإلكترونية، وحتى في الصحافة الورقية، ويطلقون على أنفسهم مسمّيات ما أنزل الله بها من سلطان!

وما أحوجنا - أيضاً - إلى ذاك الفنّان التشكيلي، الحاضر الغائب، الذي ركن في الظل بعيداً عن تصوير ما يحدث! وما أحوجنا، إلى شباب مؤمنين بقضيتهم الأم، حب الوطن، والحال الذي لا يزال يشكو، ويشكو، فإلى أين المصير؟!

وما أحوجنا، إلى موظف صادق ومخلص في عمله، بعيد عن استغلال ما يجري، لا أن يستغل عمله الوظيفي ومكانته في أن يُعامل الناس بصورةٍ سيئة، وفيها تعال وأستذة، ويظل شعاره: ادفع بالتي هي أحسن!

وما أحوجنا إلى صديق مخلص، وإن ندر في هذا الوقت بالذات، يدفع البلاء عن صديقه، ويقف سنداً قوياً إلى جانبه إذا ما أصابه مكروه ما، لا أن يتحامل عليه، ويؤنّبه في ملمّاته، ويُعامله في تملق، وتذمر أحمق، ويستخف في إنجازاته!

وما أحوجنا إلى أن نعيد إلى نفوسنا دفئها، وأن نهيئ أمامها طريقاً سليماً، معافىً خلياً من النرجسية والحقد الأعمى الذي لا يعرفُ طريقه إلى نياط القلوب! وما أحوجنا إلى حبّ الناس، بصفاء، ونبذ البغضاء حتى نتمكن من أن نعيش حياة كريمة ورتيبة.

وما أحوجنا إلى قلب كبير، قادر على أن يحضن الجميع بحب، وأن يرسم السعادة أمام عشاقه ومحبيه. وفي المقابل، عجبتُ من بعض الأشخاص الذين يدْعُون إلى الإيمان والتبهّل للخالق عزّ وجلّ، وهم في قرارة أنفسهم بعيدون عن مفهوم الدين والدنيا!

ومن أولئك الذين يقرؤون الغيبيات، ويضحكون على ذقون الناس، ويدركون تماماً أنَّ لغتهم الخبيثة، لغة الدجل، أكثر ما تسيطر عليهم وعلى عامّة الناس الذين يلجأون إلى أمثال هؤلاء المشعوذين!

ومن بعض الأشخاص الذين يُمارسون أعمالاً حرفية عادية جداً، ويتفاخرون بخبراتهم، وبإمكانياتهم اللامحدودة في التغلب على خصومهم في العمل، وبدون أدنى مقدرة على قيامهم بواجبهم حيال هذا العمل وقداسته، وهم هكذا يرمون الآخرين بنظرات خبيثة ومبطنة، يراد منها فرض شخصيتهم، ومقدرتهم في واقع يتطلب التعلم والانتباه، ومن خلال التعلّم يمكن أن تأتي المعرفة وترافقها من ثم الإدراك الكامل لها. فالخبرة، وقوام ذلك، هو إرضاء صاحب العمل، وتحسين وضعك المادّي، في بلاد صرنا ننتمي إليها، ولا تعرف طريقاً إلى الحياة إلا من خلال إبراز شخصيتك، وإن كنت جاهلاً بما تقوم به، وبعيداً عن قناعاتك!

وعجبت من شخص يرمي الناس بسهام ثاقبة، وقد تصيب في بعضها، وفي بعضها الآخر قد تكون قاتلة، لدرجة أنّه لا يمكن بمقدورك أن تفعل شيئاً رغم معرفتك بأنه يريد أن يحطّ من قدرك، ما يضطرك إلى الامتثال لكل ما يقوله، وفي نهاية المطاف يصوّر حالات هي أشبه ما تكون إلى عدم الرضا، والفجوة التي يحدثها تظل بعيدة عن مفهوم العلاقات الإنسانية الوجدانية، ومنهم كثير!

وتعجبت أكثر فأكثر من أحد مدّعي المهنية في مجال عمله، وهو في الواقع يحاول أن يكون أكبر من حجمه من خلال ما ينشر من بوستات، وما يدبّج من مقالات، معلناً، بكل وقاحة، أنه الكاتب الأوحد، والوزير المفوّض المدافع عن المثقفين، ويكتب بطريقة فجّة تخلو من الصياغة الصحافية التي يعرفها ويتذوقها عامّة الناس. والأنكى من ذلك، أنه يوبّخ الناس ويقلل من أهميتهم، يزدريهم ويصمهم بعبارات سخيفة وحاقدة، ناهيك بما يحمله مشروعه النفيس من إسقاطات ووخزات لها أوّل وليس لها آخر.. مدعياً الدفاع عن أشخاص بعينهم، وممتهناً أسلوباً فيه من التسويف والخداع ما يكفي، أضف إلى أنه طالما يعيد ويكرر في خطابه وفي جمله ماسحاً كل من عرفهم، أو من التقى بهم وعمل معهم بالهزء والسخرية!

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.