حرب عمر على فساد قريش!

حرب عمر على فساد قريش!

15 يناير 2019
+ الخط -
أصحاب الوعي والبصيرة وحدهم يرون مبكراً عواقب الترف والسطوة، ويدركون أن استفحال النفوذ يمكن أن يكون مقدمة للانهيار والتردي. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه واحداً من هؤلاء الذين لا يسلمون أنفسهم لسطوة اللحظة الراهنة، ولذلك رأى شيئاً مختلفاً عما رآه غيره في الغنائم الضخمة التي تم إحضارها إليه من فتوحات بلاد فارس والروم، والتي تم وضعها في المسجد النبوي، وكما ينقل القاضي أبو يوسف في كتاب (الخراج) عن سعيد بن المسيب، فإنه حين تم كشف الأغطية عن تلك الغنائم، "نظر عمر إلى شيء لم تر عيناه مثله من الجوهر واللؤلؤ والذهب والفضة فبكى، فقال له عبد الرحمن بن عوف: هذا من مواقف الشكر، فما يبكيك؟ فقال: أجل، ولكن الله لم يعطِ قوماً هذا إلا ألقى بينهم العداوة والبغضاء".

لم يكن الأمر مقتصراً على خوف عمر من تأثير الثروات على النفس الإنسانية، بل كان يصحبه أيضاً إدراك لطبائع الحياة التي لا يدوم فيها الازدهار والنفوذ، بل يسري فيها على الدول والجماعات السياسية بل وعلى المبادئ والأفكار ما يسري على جميع الكائنات من ذبول وضمور وتدهور، وهو ما ستقرأه بوضوح في كلماته التي قالها بعد محاولته أن يوقف تأثر أعلام قريش من المهاجرين بموجات الترف المتصاعدة، حيث أصدر قراراً يحجر عليهم السفر في البلدان إلا بإذن، وهو ما أغضبهم ودفعهم للشكوى منه، فقال عمر في رواية يوردها الإمام الطبري في الجزء الثالث من تاريخه عن أبي الحسن البصري مشبهاً: "ألا إني قد سننت الاسلام سَنّ البعير، يبدأ فيكون جذعاً ثم ثنياً ثم رباعياً ثم سديساً ثم بازلاً، ألا فهل ينتظر بالبازل إلا النقصان، ألا فإن الاسلام قد بزل"، ولكلمة (بزل) هنا معانٍ عدة تشير إليها المعاجم، من بينها طلوع الناب واكتمال التجربة واستحكام الأمر، لكن عمر رضي الله عنه وبرغم هذا التوصيف الذكي الذي يشي بإدراكه لما تحدثه التطورات والتغييرات على المبادئ والأفكار، يعلن مقاومته لما يجري حوله قائلاً: "ألا وإن قريشاً يريدون أن يتخذوا مال الله معونات دون عباده ألا فأما وابن الخطاب حي فلا، إني قائم دون شعب الحرة آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار".

يعلق الدكتور علي الوردي في كتابه (وعّاظ السلاطين) على هذه المقولة متعجباً من قصار النظر الذين استغربوا أن يقول عمر كلاماً كهذا في عز انتصار الإسلام وانتشاره في الأرض، ولو تأملوا في كلامه أكثر لفهموا سر بكائه وتشاؤمه، ولأدركوا أنه نظر إلى الانتصارات والغنائم في ضوء قوله تعالى "إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى"، ولذلك أدرك أن الترف سيقود حتماً إلى الطغيان، والطغيان سيجعل الدعوة الإسلامية مقبلة على النزول بعد صعودها، لأنها لن تكون مرتبطة بفكرة أو مبدأ فحسب، بل سترتبط بدولة كسائر الدول، تُجبى لها الأموال ويُحشد في سبيلها الجنود، ويُضرب من أجلها السياط، طلباً للسمع والطاعة.


وبالفعل، حدث ما توقعه عمر، برغم حرصه الشديد على أن يقسو على نفسه وعلى أهل بيته والمقربين منه، وعلى أن يعاقب المفسدين بيد من حديد، لكن بذور الترف المنتجة للفساد كانت قد غُرِست بالفعل، لتجد بيئتها الخصبة بعد رحيل عمر، وهو ما أشار إليه خلفه عثمان بن عفان رضي الله عنه، حين عاتب معارضيه مرة بأنهم يعارضونه في أمور كان يفعلها عمر بن الخطاب من قبل قائلاً لهم: "ألا فقد والله عِبتم عليّ بما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطأكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم، ولنت لكم وأوطأت لكم كتفي، وكففت يدي ولساني عنكم فاجترأتم عليّ"، لكن تلك القراءة كانت عاطفية وشخصانية لذلك كانت قراءة خاطئة في قراءة الواقع، لأن سياسة عمر في قمع الفساد بحزم شديد، أجلت ظهور مظاهره، لكنها لم تؤد لاستئصال جذوره التي غذاها الترف الفاحش بشكل كان يقض مضاجع عمر نفسه، وهو ما جعله يقول في أواخر أيامه ـ كما يروي الطبري ـ "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذتُ فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين"، وهو ما نستطيع أن نربطه بتلك الرواية الشهيرة التي جعلت عمر رضي الله عنه يمر بامرأة توهم صبيانها الذين يتلوون من الجوع بأنها تطبخ لهم طعاماً بينما هي تغلي لهم ماءً ليسكتوا عنها، وهي رواية يستدل بها الكثيرون على عدل عمر، لكنها في الوقت نفسه تدل على اختلال الموازين الذي شهده عهد ما بعد الفتوحات، ليتجاور في المدينة أغنياء يكسرون ما يكنزونه من ذهب بالفؤوس، في وقت يطبخ فيه الفقراء الماء لأطفالهم.

يروي القاضي أبو يوسف في كتابه (الخراج) واقعة أخرى تشير إلى إدراك عمر لبدء اختلال موازين العدالة في مجتمع المدينة، حين شهد وهو راجع من الشام تعذيب قوم من غير المسلمين لم يدفعوا الجزية، حيث كان يتم صب الزيت على رؤوسهم، فتساءل عمر عما يقولون "وما يعتذرون به؟"، فقيل له يقولون: "لا نَجِد"، فصرخ فيهم: "دعوهم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تعذبوا الناس فإن الذين يعذبون الناس في الدنيا يعذبهم الله في الآخرة"، لكن من يروون الواقعة للتأكيد على عدل عمر ورحمته، ينسون أن تدخله الفردي الذي جاء بالصدفة، هو وحده الذي أوقف ذلك الوضع الكريه الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل، لكنه كان نهياً لم يتحول للأسف إلى سياسة ثابتة لا تحتاج إلى تدخل فردي يأتي بالصدفة.

تشير تلك الواقعة كما ينبهنا علي الوردي إلى طبيعة الدولة الإسلامية الناشئة، حيث أصبحت دولة فاتحة فيها الأمراء والولاة والموظفون والجباة والجلاوزة، بكل ما يرتبط بطبائع هؤلاء من قسوة وإساءة لاستخدام السلطة، وإذا كان تدخل عمر في الواقعة المذكورة قد أدى إلى كبح جماح هؤلاء بعض الشيء، فإن تدخله بإصدار قرار حبس الأغنياء في المدينة ومنعهم من التجوال في الأمصار، كان محاولة أخرى لإيقاف التداعيات السلبية لهؤلاء المترفين الذين "يريدون أن يتخذوا مال الله معونات دون عبادة"، والذين قال عمر ـ في أكثر من رواية يشير إليها الدكتور طه حسين في كتابه (الفتنة الكبرى) ـ أنه يريد بحبسهم أن يحجزهم عن التهافت إلى النار، لكن تلك القرارات كما يقول علي الوردي أخرت انفجار القنبلة لكنها لم تمنعه تماماً، ولذلك انفجرت في عهد عثمان، الذي ربما لو كان أكثر حزماً لتأخر الانفجار قليلاً لكنه كان سيقع حتماً، كما وقع ويقع في أي مجتمع بشري تختل فيه موازين العدالة الاجتماعية.


لم يجد عمر بن الخطاب نفسه كحاكم مطالباً فقط بمحاربة التفاوت الطبقي وإساءة استخدام السلطة، بل وجد نفسه أيضاً مطالباً بمحاربة الفساد الإداري الذي بدأ يستشري بفعل توسع فتوحات الدولة الإسلامية، وربما كانت أشهر واقعة فساد إداري في عهده، تلك التي كان بطلها الصحابي أبو هريرة راوي الحديث المشهور والمثير للجدل، خلال فترة ولايته على البحرين، والتي سنجد تفاصيلها في عدد كبير من المصادر التاريخية منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب (الأموال) لابن سلام الذي ينقل لنا عن ابن سيرين قصة مصادرة عمر لنصف ثروة أبي هريرة، وقوله له حين عاد من البحرين لمواجهة عمر: "يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت أموال الله؟"، فأنكر أبو هريرة التهمة بقوة، ليقول له عمر غاضباً: "فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم؟"، فرد عليه أبو هريرة: "خيلي تناسلت وعطائي تلاحق وسهامي تلاحقت"، ليرفض عمر ذلك المنطق الذي يشبه منطق "ربنا طارح البركة في فلوسنا" الذي نسمعه كثيراً في أيامنا لتبرير الثروات المتضخمة بشكل مفاجئ، ويقرر مصادرة أموال أبي هريرة، فيمتنع أبو هريرة بعد ذلك عن الاستمرار في تولي الإمارة، وهو ما فعله عمر أيضاً مع واليه على كنانة عتبة بن أبي سفيان شقيق معاوية، لأنه عمل بالتجارة إلى جوار عمله الرسمي كوالٍ على كنانة، فصادر عمر أمواله، لكن عثمان أرجعها إلى أبي سفيان عندما تولى الخلافة.

يشير الدكتور علي الوردي والدكتور طه حسين وسيد قطب والدكتور محمد حسين هيكل وغيرهم من الباحثين الدارسين لتلك الفترة إلى أن عمر كان حريصاً على محاربة فساد قريش وعلى عدم التحيز لأهلها حتى لو كانوا من أقرب الناس إليه، ولذلك كان يكره أن يولي أحد أشراف قريش أمراً مهماً من أمور المسلمين، وهو ما يمكن أن نقرأ في ضوئه موقفه الشهير حين عزل القائد العسكري البارز خالد بن الوليد، وموقفه حين منع رموز قريش وأشرافها من التجول في الأمصار، وفي حين كان سادة قريش برغم دخولهم في الإسلام باقين على احتقارهم للأعراب والموالي والنظر إليهم بتعالٍ كريه، كان عمر حريصاً على إعلان محبته لهم ووصفهم بأنهم مادة الإسلام، ولذلك فقد قام بتعيين عمار بن ياسر والياً على الكوفة، وتعيين سلمان الفارسي والياً على المدائن، وهي قرارات لم يكن من السهل تقبلها على بعض سادات قريش الذين ساءهم أن يروا عبيدهم السابقين يحكمون، في نفس الوقت الذي يتعرضون فيه للحجر والتضييق، وهو موقف تعبر عنه أفضل تعبير تلك الرواية الشهيرة التي تحكي عن وقوف أبي سفيان وسهيل بن عمرو وجماعة من كبراء قريش على باب عمر ليستأذنوا في الدخول عليه، فلم يأذن لهم، لكنه أذن لبلال الحبشي وصهيب الرومي ليدخلوا عليه، وهو ما استفز أبا سفيان الذي أطلق تعليقاً مغموساً برواسب الجاهلية: "لم أر كاليوم قط، يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه".

تفاقمت كراهية الكثيرين من سادة قريش وكبرائها وأتباعهم لعمر بن الخطاب، حين أبطل نصيب المؤلفة قلوبهم من فيء الفتوحات، ليتجاوز بذلك القرار الجرئ أمراً صريحاً جاء به القرآن الكريم، معملاً عقله في فهم النص، قائلاً إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعطي هؤلاء من عوائد الفتوحات المادية، حين كان الدين ضعيفاً يحتاج إلى نصرتهم له، وهو ما لم يعد له جدوى بعد أن "أصبح الدين قوياً لا يحتاج إلى تأليف قلوبهم"، وهو ما جعل بعض الدارسين يضع موقف عمر من سادة قريش في سياق أوسع، ليتحدث عن كونه موقفاً قديماً سبق توليه الخلافة بكثير، مستدلين على ذلك بما قاله عمر للرسول عليه الصلاة والسلام في يوم الحديبية، حين أراد الرسول أن يرسله سفيراً إلى قريش للتفاوض معها على شروط الصلح، فقال له عمر: "إني أخاف قريشاً على نفسي، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني هو عثمان بن عفان".

يضيف على الوردي إلى ذلك السياق قوله إن عمر بن الخطاب كان معروفاً بميله الدائم إلى علي بن أبي طالب، الذي كان من أثقل خلق الله على قلوب سادة قريش، ومع ذلك فقد اتخذه عمر مستشاراً له كما تزوج من ابنته، وهو ما جعل سادة قريش يظنون أن عمر سيولي علياً الخلافة، فكرهوا ذلك كراهية شديدة يشير إليها الكثير من الباحثين.


يرى الوردي أن عمر كان حائراً في اتخاذ قرار حاسم عمن سيخلفه، وأنه كان يريد أن يوصي بالخلافة لعلي، لكنه رأى أن قريشاً ستقاومه وتتحزب ضده لينتج عن ذلك فتنة كبرى، ومع ذلك فإن عمر لم يبادر إلى ترشيح أسماء لخلافته ترضي سادة قريش، بل حرص على أن يؤكد أن معايير الناس في اختيار خليفتهم، لا ينبغي أن تكون مرتبطة بشيء سوى تقوى الله ومحبته، وهو ما تؤكده رواية الطبري في تاريخه التي تقول إن نفراً من الصحابة دخلوا على عمر بعد ما طعنه قاتله أبو لؤلؤة، فطلبوا منه أن يعين لهم خليفته من بعده فقال: "من أستخلف؟ لو كان أبو عبيدة بن الجراح حياً لاستخلفته، فإن سألني ربي، قلت سمعت نبيك يقول إنه أمين هذه الأمة، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة لاستخلفته فإن سألني ربي قلت سمعت نبيك يقول إن سالماً شديد الحب لله"، بل إنه رد بغضب شديد على من اقترح عليه أن يرشح ابنه عبد الله للخلافة، مقرراً أن يترك أمر الخلافة لمجتمع المدينة متمنياً أن يستخلفوا عليهم من هو خير منه، وكما يشير علي الوردي فإن عمر لم يكن ليغيب عن باله في تلك اللحظات العصيبة، أن قريشاً كانت قد امتعضت من توليه للخلافة بعد أبي بكر، لكن ساداتها كانوا لا يزالون ضعافاً قليلي المال والنفوذ، وهو ما تغير بفعل الفتوحات التي جعلت سادة قريش أقوياء أغنياء، فخشي عمر من أن يحدثوا فتنة لو قام بتولية الخلافة لعلي بن أبي طالب.

ينبهنا الدكتور هشام جعيط في كتابه (الفتنة) إلى قصور المنطق الذي يقوم بمحاكمة عصر سابق بمنطق عصور أخرى، فيتصور إمكانية التخلي عن التوسع في الفتوحات الإسلامية، مشيراً إلى أن الفتوحات التي بدأها أبو بكر الصديق تمّت بوعي كامل بضرورة ذلك لمستقبل العرب والإسلام، ولولاها لبقي الإسلام ديناً ثانوياً محصوراً في نطاق الجزيرة العربية، لكن ذلك لا ينفي قصور التعامل مع الثروات والغنائم التي أنتجتها الفتوحات، والتي اعترف عمر رضي الله عنه بقصوره في توزيعها، ولذلك قال قبل وفاته إنه لو استقبل من أمره ما استدبر لأخذ فضول أموال الأغنياء ووزّعها على فقراء المهاجرين، كما أنه ندم قبل وفاته على مخالفته طريقة أبي بكر في توزيع الثروات بالتساوي، حيث أصر عمر على أن يعطي قدامى المسلمين نصيباً أكبر، دون أن يعمل حساباً للآثار التي يلحقها الترف بالنفوس البشرية.

لا تتسع المساحة للحديث باستفاضة عن تأثير فترة الفتوحات التي توسعت في عهد عمر رضي الله عنه على المجتمع الإسلامي بشكل ساهم في تفجير الفتنة الكبرى فيما بعد، تكفي الإشارة إلى ما يطرحه أحمد أمين في كتابه (فجر الإسلام) وعلي الوردي في كتابه (وعاظ السلاطين) عن الازدواجية التي نشأت في المجتمع الإسلامي في فترة الفتوحات وما تلاها، فبرغم أن الإسلام حملت تعاليمه ما يخالف قيم البداوة القديمة التي تحض على الكبرياء والأنفة والفخر وتمجد حب الرئاسة، وكلها قيم تتعارض مع دعوة الإسلام للعدالة والمساواة التي تتجلى كأوضح ما يكون في قوله تعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، إلا أن تلك التعاليم والقيم لم تغير الكثير في النفوس والشخصيات، وهو ما لم تتضح آثاره خلال سنوات الفتوحات التي انهمك فيها الجميع في قتال الروم والفرس، لكنها ظهرت كأسوأ ما يكون الظهور عندما بدأ الترف يسود المجتمع، ذلك الترف الذي أبكى عمر حين اصطدم بأكثر مظاهره تجلياً.

لم تكن دموع عمر بعيدة بالتأكيد عن دموع سابقة ذرفها، حين دخل يوماً على الرسول عليه الصلاة والسلام، فوجده مضطجعاً على حصير، وقد أثّر الحصير في جنبه، فبكى عمر إشفاقاً عليه وقال له: ألا تتخذ لك فراشاً، فأجابه النبي: ماذا يا عمر أتظنها كِسرويّة؟ إنها نبوة لا ملك، إذا ذهب كسرى فلا كِسروية بعده، وإذا ذهب قيصر فلا قيصرية بعده، ولقد أظلّكم من الله خير جديد، نبوة ورحمة"، وهو درس تذكره عمر بالتأكيد حين قال بعد أن أصبح خليفة على المسلمين: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إن استخفيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، وإن أيسرت قضيت، ولا يحل لي من هذا المال إلا ما كنت آكلاً من صلب مالي، والله لوددت أني خرجت منه كفافاً لا عليّ ولا لي"، لكن تلك الفضائل الشخصية التي ألزم بها عمر نفسه، لم تلزم الكثير من الولاة والكبراء من بعده، ليستفحل تأثير الترف والفساد وغياب العدالة الاجتماعية شيئاً فشيئاً، حتى صار أمرنا إلى ما لا يخفى عليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.