عن مصائر عصام وتوتو وعاصمة العروبة وسفاسف أخرى

عن مصائر عصام وتوتو وعاصمة العروبة وسفاسف أخرى

13 يناير 2019
+ الخط -

ـ ليس مهماً الاسم الذي تطلقه على المسجد الذي تبنيه حين تكون في الحكم، الأهم هو الاسم الذي سيطلقونه عليه بعد أن تموت.

ـ الغباء قادر على القتل، هذه حقيقة واقعة لن يجرؤ أحد على محوها من الوجود، حقيقة راسخة ليست مرتبطة بالأمية والتعليم، وإذا كنت قد نسيتها في خضم الحياة، ستتذكرها حين تقرأ على غلاف علبة دواء (إنماكس) عبارة تقول "حقنة شرجية جاهزة للاستعمال"، وتحتها مباشرة عبارة كتبت ببنط بارز وباللون الأحمر تقول: "تحذير: لا تُعطى عن طريق الفم". 

ـ إذا دعتك قدرتك على التناكة على الصنايعي، تذكر قدرة الصنايعي عليك. 

ـ في البدء رأى الناس أنه لا يجب التعليق على أحكام القضاء أياً كانت مشاكلها، وفي النهاية أجبرهم فجور بعض القضاة على تمني تعليقهم فوق خوازيق منصوبة على منصات القضاء. 

ـ لا توجد مدينة في العالم مؤهلة لأن تحمل لقب (عاصمة العروبة)، أكثر من مدينة لاهاي الهولندية التي استحقت أن يتعلق قلوب الملايين العرب بها لاحتوائها على مقر المحكمة الجنائية الدولية. 

ـ لن تجد بضاعة رائجة في مواسم ذكرى الثورات، أكثر من الحكمة بأثر رجعي. 

ـ ألن يكون الموضوع عبثياً أكثر لو اتضح أن الموت هو الذي يخاف من الإنسان، ولذلك يحاول جاهداً التخلص منه بسرعة.

ـ أصعب أنواع الرفض التي يمكن أن تتعرض لها في هذه الفترة من تاريخ العالم، هي رفض موبايلك قراءة بصمة إصبعك. 

ـ أطاحت التكنولوجيا بكل الثوابت المرتبطة بحياة الإنسان، وجربت كل الأفكار التي تجعل حياته مختلفة، لكنها لم تجرؤ حتى الآن على تحدي فكرة ارتباط التبرز بالجلوس. 

ـ لا تحزق أكثر من اللازم وأنت تحذر أبناء وطنك من عواقب التأخر عن ركب الحضارة، تذكر أنك ابن الشعب الذي يؤمن أن "كل تأخيرة وفيها خيرة". 

ـ لا شيء يقلص الفارق بين الثائر والإرهابي مثل احتقار السياسة. 

ـ تستطيع أن تدرك حجم التخريب الذي أحدثه حكم العسكر في مصر طيلة العقود الماضية، حين تسأل نفسك: هل يمكن أن تنجح الآن أغنية تبشر الأطفال بالنعيم الذي سيحدث لهم إذا عملوا أطباء ومهندسين ومحامين؟ ومن سيصدق أغنية كهذه كما صدق الملايين وأحبوا أغنية (طلع الليل ذهب الفجر والعصفور صَوصَو) للرائع محمد فوزي، والتي غنى فيها فوزي قائلاً: "ندر عليا أجي لكو وأولّع شمعة من شمعة.. لحد الشبر ونص ما يكبر ويروح الجامعة.. ميمي دكتور وسعاد دكتورة واحنا ندعي لكم.. وصلاح يبقى محامي وتوتو قاضي يبقى يصالحكم.. وعصام بكره حيبقى ضابط ويدافع عنكم.. يفدي وادي النيل بحياته وحياته منكم"، ولم يكن يعرف وقتها أن صحة ميمي تدهورت بسبب التقاطه لميكروب خلال أداء عمله، وأن ظروفه تزداد صعوبة بسبب انخفاض بدل العدوى الذي يحصل عليه كطبيب، أما سعاد فقد أكرمها الله وهاجرت إلى كندا لتحصل على فرصة كريمة للعيش دون أن تضطر للمتاجرة بالمرضى، فيما يقضي عصام حالياً عقوبة السجن المؤبد متهماً بالخيانة والتمويل الأجنبي، بعد حكم أصدره توتو الذي أصبح قاضياً يتلقى الأوامر بالتليفون من عصام، الذي نجح في تأمين مستقبل أحفاده من عمولات صفقات الأسلحة، التي تزيد نسبتها كلما تواصل سقوط الشهداء في مواجهة الإرهاب. 

ـ لم يكن مكشوفاً عني الحجاب، حين كتبت في 2005 أن أدق تعريف للدستور في مصر أنه: "الشيء الوحيد اللي كلما يتعدل، البلد تتعوج أكتر". 

ـ مشاهدة وجوه كثيرين من أعضاء مجلس الشعب تعيد الاعتبار إلى نظرية لامبروزو في التعرف على المجرمين من وجوههم. 

 

ـ أكبر خطأ يرتكبه الناس في التعامل مع جرائم القتل الرهيبة التي تحدث مؤخراً، أنهم يتعاملون معها بشكل منطقي، لأنهم يفترضون أن للقاتل دائماً قدرة على التفكير المنطقي، كتلك التي يمتلكها القتلة التسلسليون في أفلام الجريمة الهوليودية، وينسون أن قتلة بلادنا نبتوا مثلنا من طينها، دون أن تكون لديهم قدرة على التفكير المنطقي، ولذلك تكون الجريمة عادة عشوائية، ويكون التحقيق فيها أيضاً عشوائياً، ويحسم مسألة إثباتها في الغالب الأعم دعاء الوالدين، والدَي المجرم أو والدَي الضحية، أو والدَي الضابط المختص.

ـ ثمة خطأ شائع يدفع المجتمع ثمنه غالياً، هو خطأ عدم التفريق بين العقلانية والعلقلانية. 

ـ في الوقت الذي كان رئيس الجمهورية يعلن فيه بحرقة شديدة أن حكم بلد كبيرة مثل مصر ليس نزهة، كانت زوجته وأبناؤه وزوجات وأبناء كبار مساعديه يطمئنون على سير عملية نزع ملكية كبائن المنتزه. 

ـ حتى الآن لم أجد فهماً أعمق للوطنية، مثل ذلك الذي يمتلكه سائق التاكسي الذي كتب على ظهر سيارته عبارة (يارب احفظ مصر والتاكسي). 

ـ أشياء كثيرة تغيرت منذ يناير 2011 من أهمها تغير الاعتقاد الذي كان سائداً أن "كنتاكي فرايد تشيكن" شيء يستحق أن يبيع الإنسان وطنه من أجله. 

 

ـ كل مرة أفكر فيها أن قدرة الإنسان على الوصول إلى قاع الانحطاط قد بلغت مداها، يفاجئني من يثبت أن قدرة الإنسان على تجديد انحطاطه تفوق أي وصف، وكان آخر هؤلاء ذلك اللعين الذي أرسل لي ولغيري بالتأكيد إيميلاً بوصفه زوجة الكاتب جمال خاشقجي رحمه الله، والتي تبحث عمن يساعدها في تقاسم ثروته المخبأة في بنوك سويسرا إذا أرسل إليها بيانات حسابه البنكي. المشكلة أن قدرة الإنسان على كسر الأرقام القياسية في الانحطاط، مرتبطة بقدرة أناس آخرين على كسر الأرقام القياسية في الغباء والطمع، ولولا ذلك لكانت قد توقفت تلك الإيميلات عن الظهور عقب كل مأساة أو جريمة.  

ـ إذا تذكرت أن كثيراً من أفلام الرعب تعتمد على تيمة الروح المعذبة التي تلبد في مكان وقوع الجريمة، لتنتقم من أولاد مرتكبي الجريمة وأحفادهم، ستدرك أن كل ما جرى من تدهور في الصحف والمجلات المسماة زوراً وبهتاناً بالقومية، ليس إلا انتقاماً لاغتصابها من أصحابها حين تم ارتكاب جريمة تأميم الصحف والمجلات، وإذا خالفتني في الرأي لأنك تعتقد أن ذلك التدهور حدث ببطء شديد على عكس ما يحدث في أفلام الرعب، فأنت محتاج إلى أن أذكرك أيضاً بأن الموت البطيء أشد عذاباً من الموت السريع. 

ـ ستسألني: هل عليّ أن أقلق؟، وسأجيبك: دع القلق وابدأ الحياة، وربما لو قابلتني بعد ساعتين سأقول لك العكس تماما: دع الحياة وابدأ القلق، وغالبا سينتهي اليوم بنصيحة لك بأن تدع القلق وتدع الحياة أيضا، وأرجوك لا تعتقد أن في ذلك ارتباك أو تناقض، ولا تظن أنني شخصية هوائية بغزالة، بل الحكاية وما فيها أن الواقع في أيام ملتبسة مثل هذه تتغير معطياته ليس فقط بين عشية وضحاها، بل بين ساعة وقفاها، لذلك لا تقلق إذا طلبت منك أن تقلق بعد أن قلت لك ألا تقلق، ولا تنس أنني وأنت وهم وهذان وهاتين وهؤلاء ودوكهمه وبلادنا بأكملها في مسيس الحاجة إلى ما كنا نظنه هراءً تروجه كتب التنمية الذاتية واتضح أنه حق لا مراء فيه، أعني بالتحديد الثبات الانفعالي الذي أصبحنا نحتاجه في هذه السنين، أكثر مما يحتاجه الجراحون المبتدئون وحراس المرمى ومسدّدو ضربات الجزاء وطلبة الثانوية العامة وحديثو العهد بالزواج والطلاق. 

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.