الشاعر المُخْبر أنجز المهمة

الشاعر المُخْبر أنجز المهمة

02 يناير 2019
+ الخط -
نتابع هنا حكاية الشاعر المُخبر "فلان" الذي أراد أن ينتسب إلى اتحاد الكتاب العرب. تداولنا في هذه الحكاية ضمن الجلسة الحميمة التي انعقدت في بلدة "الريحانية" التركية أواخر سنة 2012. 

قال الأستاذ كمال متابعاً رواية السالفة: كنت قد أخبرتكم أن قيادة اتحاد الكتاب العرب طلبت من الشاعر المخبر "فلان" أن يأتي بديوانين شعريين من نظمه خلال ستة أشهر لكي يصبح انتسابه إلى الاتحاد ممكناً.. الشيء الغريب يا شباب هو أن صاحبنا فلاناً الفلاني استجاب للاقتراح بسرعة أكبر مما هو متوقع، إذ لم يمض سوى بضعة أيام حتى أَعَدَّ الديوانين، وركب في أحد باصات الـ هوب هوب وسافر إلى دمشق، ومن كاراجات القابون بدمشق اتجه إلى مبنى الاتحاد في "أتوستراد المزة"، وهناك وضع خلاصةَ روحه الشاعرية وتجاربه الحياتية بين تلك الأيدي الأمينة التي تؤمن بأهمية الكلمة الرصاصة، والكلمة الخنجر، والكلمة المضيئة التي تدافع عن شرف الأمة العربية وعِرْضها في وجه المؤامرات الاستعمارية الإمبريالية الصهيونية الرجعية الدنيئة. 

قال العم أبو محمد: أنتم الأدباء لما بتحكوا سالفة، ع السريع بتساوو البحر (دبس بطحينة)، والإنسانْ اللي بيسمع كلامكم ما بيعرف وين رايح المركَب اللي عم تقودوا دفته. يعني، في الحالة التي تحكي عنها يا أستاذ كمال، أنا شايف أنه ما في غير احتمالين؛ الأول هو موافقة قيادة الاتحاد على طباعة الديوانين، والثاني هو الرفض. 

قلت: يا عمي أبو محمد، قلنا لكم من قبل إن القصة ليست بسيطة، ففي سورية لدينا قوانين، منها قانون اتحاد الكتاب. 

قال أبو زاهر بنزق: يا أخي النظام السوري بِبيع مية قانون بقشرة بصلة، ولما بتحتدم الأمور بيمسح بالقوانين الأرض. كأنك نسيت هالشي يا أبو مرداس؟

قلت: بالعكس، لم أنس، بل إن لدي تفصيلات إضافية يمكنني أن ألخصها لكم إذا شئتم.

قال أبو الجود: تفضل لخص. 

قلت: نظام حافظ الأسد يطبق على معارضيه الخطيرين قانون الطوارئ، ويحيلهم إلى محاكم أمن الدولة، ويقتلهم بمحاكمات صورية أو دون محاكمات، أو يسجنهم سنوات لا أحد يعرف كم سيبلغ عددها.. وبعد انطلاق ثورة الـ 2011 لم يترك ابن حافظ سلاحاً فتاكاً لم يضربنا به نحن أبناء الشعب السوري من المدفعية للبراميل للصواريخ البالستية.. وأما في الأمور غير السياسية فهو شديد الحرص على تطبيق القانون، وبالمناسبة: النظام السوري يضع القوانين ثم يسعى لمخالفتها.

قال الأستاذ كمال: بالضبط. وهذا ما جرى في قيادة الاتحاد، إذ كان هناك عدد من أعضاء المكتب التنفيذي متحمسين لتنسيب فلان للاتحاد بعدما عرفوا أنه مرتبط بالمخابرات، وجاءتهم اتصالات من ضباط مخابرات في إدلب يوصونهم خيراً بهذا العنصر النبيل المخلص للقائد حافظ الأسد، ومستعد أن يبذل الغالي والنفيس في سبيله. وأما بقية أعضاء المكتب التنفيذي فراحوا يُخفون خوفهم من زملائهم البعثيين، ويحكون عن ضرورة تطبيق القانون باعتبار أن القانون- كما يقول الإعلام السوري- فوق الجميع. وانفرد أحدُ الأعضاء بالقول إن الديوانين اللذين قدمهما فلان ما زالا مخطوطين، والاتحاد لا يقبل بتنسيب أعضاء جدد بناء على مؤلفات مخطوطة، وإنما على المؤلفات المطبوعة، ومن جهة أخرى فإن الكتاب الذي يبلغ حجمه 32 صفحة لا يعتد به حتى ولو كان مطبوعاً لأنه مخالف لمواصفات اليونسكو حول الكتاب الذي لا يجوز أن يقل عن 100 صفحة.

قال أبو الجود: والله العظيم أنا حاسس كأني قاعد في سوق الهال. عم تحكوا على  عدد الصفحات وبتنسوا أهمية المادة المكتوبة.

قلت: أعضاء مكتب الاتحاد كانوا يتحدثون عن الحجم ويتجاهلون المحتوى لأن المادة المكتوبة من قبل فلان (شي بيهوّي) حاشاك وحاشا السامعين! 

شرح المفردات: (شي بيهوّي) يعني رديء جداً.

وللحديث صلة.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...