قاعة الانتظار لأربعين مليون مغربي

قاعة الانتظار لأربعين مليون مغربي

27 سبتمبر 2018
+ الخط -
يقول غرامشي: "يجب الاعتماد على عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة، لقد تأملت كثيرا هذه الفكرة"..
ترددت طويلا قبل أن أقتنع في الختام بأن الوقت قد حان لأن نكون متشائمين عقليا إلى أقصى درجة، بعيدا عن خطابات "العام زين"، فحالة الأمور الراهنة التي كان عليها أن تكون أفضل تستحق منا التشاؤم، ولكن بالإرادة ثم التفاؤل المبني على أساس وعينا وإرادتنا، قالوا إننا استيقظنا ذات ليلة من نوم مضطرب غمرنا الخوف، التفتنا حولنا يمينا ويسارا، وبدل أن نقف ونستجمع قوتنا، ابتلعنا حبوب النوم - شعرنا بالاسترخاء من ثم فقدنا العزم واكتفينا بالانتظار.

وبعد سنوات بدأ كل شيء من جديد، إنه العهد الجديد "فنادق فخمة تعبر عن الازدهار، مشاريع كبيرة، إنه مغرب الطرق السيارة، مغرب قطار فائق السرعة، مغرب الطاقة الشمسية (نور ورزازات)، مغرب المهرجانات العالمية (موازين)، مغرب القصور الفخمة والمنتجعات السياحية، وملاعب الغولف الشاسعة، مغرب الملاعب الرياضية الكبرى..

ومغرب آخر يحتل رتبا متدنية في مؤشر التنمية البشرية المركز 123 رتبة تؤكد فشل السياسات العمومية، وبرامج المبادرات الوطنية للتنمية البشرية، مغرب يعاني فيه %60 من المغاربة من الفقر هي أرقام بعيدة عما يصرح به المسؤولون في المغرب في خطاباتهم "الديماغوجية" (تحسن الأوضاع - محاربة الفقر..)، وأفاد تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتأخر المغرب في محاربة الفقر والهشاشة، مؤكدا أن 44.3% من المغاربة لا يزالون محرومين من حقوقهم الأساسية، من سكن وصحة وتعليم..


مغرب تضطر بعض مواطناته للولادة أمام أبواب المستشفيات، مغرب يعاني شبابه حالة بطالة بنيوية، وتسجل الإحصاءات أرقاما ضخمة، خصوصا السنوات الأخيرة التي شهدت ارتفاعا ملحوظا في معدل البطالة الذي تخطى في نهاية 2017، 10.2% مقابل 9.9% سنة 2016.

وأعتقد أنه حينما ندخل إلى صميم هذه التناقضات الصارخة التي نعيشها، نجني فائدة واحدة على الأقل، "أن البلاد ودائما للأسباب نفسها عجزت عن الإقلاع بل غرقت في البؤس، حيث ارتفع حجم ديون المغرب نحو 65% من الناتج المحلي الإجمالي، ليستمر في حمل أثقال التخلف والديون، وسؤالي أين نحن الآن؟ إن كان كل شيء تغير، ولا شيء تغير، إنها ثنائية تخضع لمبدأ التنافي إنه "مغرب ثنائي"، والحقيقة أن الواقع الذي نريد لن يتحقق إلا بفهم الواقع الذي نعيش بكل التذاكي ووقف التحايل الغبي على الواقع".

فهناك العديد من الظروف المجتمعية التي أثرت على واقع الحياة العامة لدى المواطن المغربي، وجعلته يعبر بطريقته عن استيائه نتيجة السياسات العقيمة للحكومة، التي انعكست سلبا على واقع ومستقبل المغرب وتتمثل أبرزها في: الصعوبات الاقتصادية نتيجة ارتفاع نسبة البطالة، وتضخم الأسعار ما أدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة، ثم الإخفاق في الإصلاحات السياسية والاقتصادية المخيبة للأمال، حيث إن الحكومة بسياساتها لم تنجح إلا في خلق تحديات سياسية واقتصادية جديدة، التي توحي كلها باستمرارية الوضع الراهن وتراكم السلبيات على المدى الطويل وعلى نطاق واسع، هي ليست افتراضات من قبيل الخيال لكن تضافرها جميعا لا يبشر بالخير..

لأن التراكمات السلبية التي ظهرت هي من نتائج السياسات الحكومية السابقة المتعلقة بالقطاع الاقتصادي، وبخاصة تزايد حجم المديونية المستمرة في منحاها التصاعدي الذي بدأ منذ عام 2007 نتيجة خيارات المغرب الاقتصادية والمالية الذي لم ينجح في ربح الرهانات، ثم إن تقدم الحاصل نسبيا مقارنة مع ما يمكن نظريا تحقيقه بالديمقراطية، يضاف إلى التراكمات السلبية بالأخص في ما يتعلق بالطريقة التي تسير بها البلاد، أو مستوى الحياة الذي نسير عليه.

ويرى "بركوريت" أن إدراك الفرد أو الجماعة للوضع يخلق غضبا شديدا يتحول بدوره إلى دافع للعدوانية يستهدف الواقع القائم قصد تغييره، وهذا ما قد يفسر الاحتجاجات التي انفجرت في الريف بتاريخ 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، ثم جرادة بتاريخ 20 يناير/ كانون الثاني 2018، تلك التي قامت على مبدأ السلمية والمطالبة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية وغالبا ما يقودها شبان عاطلون عن العمل، ووجب قمعها لتباشر المحاكم مهمتها التقليدية في أحكام القمع على الشباب المتظاهرين المعتقلين، وهذا كله في زمن يقال عنه عهد جديد، وزمن يؤسس فيه المغرب للانتقال الديمقراطي - العهد الجديد الذي أصبح هاجسه أن يدخل الجميع إلى صف الانضباط، وانا أكتب هذه الأسطر صادق المجلس الوزاري برئاسة ملك البلاد محمد السادس على مشروع قانون رقم 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية للشباب بين الفئة العمرية 19 و25 سنة، وهو كإجراء أو تكتيك يهدف بالأساس إلى امتصاص غضب الشباب المغربي الذي بدأ يكتشف حقيقة واقعه شيئا فشيئا، ويطالب بحقوقه في ظل سياسة تحطيم الأحلام! وهو من الوصفات المصطنعة لخلق روح المواطنة وتنميتها..

وإذا كان تجنيد الشباب بالقوة قادرا على إحيائها فإن ذلك لا يتم إلا بصفة مؤقتة في أحسن الأحوال، لأن هذا لن يؤدي إلا إلى الحقد لا إلى الاعتزاز، لأن الشباب اليوم يعرفون أكثر من غيرهم أن المحظوظين في هذه البلاد ليسوا مطالبين بالتضحيات نفسها، وأن المسؤولين في البلاد لا ينظرون إلى أبعد من أطراف أظفارهم، المنكمشين على مصالحهم، أصحاب العقليات التي "أكلت العجينة"، والتي يكاد يغيب عندها الاهتمام بشيء اسمه "الوطن"، وعندما لا نتقاسم أي شيء لا تكون لدينا قضايا مشتركة، لتصبح كل معاركنا خاسرة منذ البداية.

ولا يختلف اثنان على أن المدرسة العمومية اليوم في وضعية إفلاس وتقهقر، أو بعبارة أدق "محاولة تصفية المدرسة العمومية"، الأداء الضعيف والرداءة النوعية للمناهج الدراسية، وضعف البنيات التحتية التعليمية، واحتلال المراتب الأخيرة في التصنيف العالمي، هذا كله في ظل تعاقب سياسات تعليمية وبرامج إصلاحية سلبية تفسد ما بقي في التعليم كل مرة أكثر مما تصلحه، لتعيش على إثرها المنظومة التعليمية أزمة ليست وليدة اليوم لكنها نتاج لتراكمات سلبية منذ الاستقلال إلى اليوم، وفي انتظار"الإصلاح" يضطر المواطنون إلى تسليم أطفالهم إلى نظام تعليمي عاجز عن تكوينهم لخوض تحديات المستقبل، عاجز في تقديم رحلة تعليمية وفق مفاهيم مبتكرة تستشرف مستقبلا غير مألوف.

وفي خضم هذا التقهقر التعليمي تظل الإرادة السياسية الفعلية للإصلاح "الحلقة المفقودة" إلى جانب الرؤية المستقبلية للتعليم، والاستثمار في المعرفة والبحث العلمي، فبهما يتحقق الاستقلال الذاتي، والنموذج التنموي بعيدا عن سياسات البنك العالمي، والسفارات الغربية، لكن سياساتنا سياسة "خضوع وخنوع"، ولا تعكس أي إرادة لتغيير الأوضاع وما يحدث هو أن "عائقين هائلين" يهددان مستقبل المغرب، هما عائق المنظومة التعليمية الفاشلة، وعائق النموذج الاقتصادي العاجز عن خلق فرص للشغل، ويسجل باستمرار تقلبات في معدلات النمو إلى أن أصبح المعدمون أكثر عددا بما لا يقاس، والأغنياء على الدوام أكثر غنى!
78912033-7E66-45FF-ABBA-99956BEAEB94
فاطمة بو دبوش

أنا كمغربية أمازيغية وعربية لا أعتبر نفسي حرة ما دامت فلسطين محتلة.