حكاية كلب الصيد الجبان

حكاية كلب الصيد الجبان

26 سبتمبر 2018
+ الخط -
الدكتور الظريف المرح "مجاهد" تعرض لهزة عنيفة كادت أن تودي به..
ما حصل أن زبائن عيادته أصبحوا يتناقصون فجأة، ودون سابق إنذار. كان يعاين خمسين مريضاً في اليوم، وأخذ هذا الرقم يتناقص حتى انعدم زبائنُه تماماً، وصار يمضي النهار بطوله وهو جالس على كرسيه يتصفح الجرايد ويطالع بعض الكتب الطبية الواردة إليه حديثاً من ألمانيا حيث كان يدرس الطب.

"لمياء" الممرضة الشقراء ذات الشعر الطويل جالسة وراء طاولتها تنسج كنزة صوفية على سيخين طويلين. شاهدت الدكتور "مجاهد" قادماً من غرفة المعاينة. قال لها: ممكن توقفي؟
قالت له بتلقائية: طبعاً. ووقفت.
قال لها: ضعي يدك في المكان الذي كنت تضعين عليه مؤخرتك.
ترددتْ قليلاً ثم وضعت يدها على الكرسي الذي كانت تجلس عليه.
قال لها: مكان مؤخرتك ساخن بالطبع.

هزت رأسها موافقة، فضحك، وروى لها ما جرى معه بهذه الخصوص، وهو أنه، ودون سابق إنذار، أحس بشيء ساخن تحته، فوقف، وتلمس المكان، وبعد تفكير طويل تَوَصَّل إلى نتيجة صحيحة علمياً، وهي أن الجلوس الطويل أمرٌ يليق بالدواجن، والثيران التي يشتريها الناس بهدف التسمين، أكثر مما يليق بالدكاترة والممرضات.. فكثرة الحركة تعني حرق السكريات، وتناقص الحريرات من الجسم، والرجل الذي يُكثر من الحركة يصبح ضامراً مثل كلب الصيد.

وتوصلَ، أخيراً، إلى أن تناقص الزبائن ليس من شأنه الإضرار بالطبيب مادياً ومعنوياً، ولكنه يؤثر عليه صحياً، ويحوله من كلب صيد ضامر إلى بقرة سمينة ذات عجيزة مربربة.

قالت لمياء: دكتور الحق معك.. بس أنا ما فهمت. ليش الناس بطلوا يجوا لعيادتك؟
قال: والله حتى الآن ما بعرف، ولكنني لا بد أن أعرف في القريب العاجل. ما رأيك بحكاية الكلب؟
قالت: أي كلب؟
قال: هناك حكايات كثيرة عن الكلب. تعالي معي نتمشى هنا في غرفة الانتظار، لأنني أخاف كثيراً أن نصبح أنا وأنت كالبقر من طول الجلوس.

وراحا يمشيان، وأثناء ذلك حكى لها عن رجل أعجب بكلب صيد فاشتراه، وحينما صار يأخذه معه إلى الصيد اكتشف أنه كلب جبان يخاف من صوت إطلاق النار، وحينما كان يصيد طريدة يختبئ الكلب وراء الشجرة بدلاً من الذهاب إلى الطريدة وإحضارها.

قال له واحد من أصدقائه:
- الرجال في الأعراس يطلقون النار في الهواء. نصيحتي أن تصطحب معك كلبك إلى بعض الأعراس ليعتاد على صوت الرصاص ويذهب عنه الخوف.
قالت لمياء: والله فكرة ذكية.
قال مجاهد: وهذا ما كان. اصطحب الرجل كلبه إلى عدة أعراس. وبعدها ذهبا معاً في رحلة صيد. ولعلمك يا عزيزتي أن صيد الحجل لا يكون إلا على الطائر، ويحتاج إلى مهارة عالية في التسديد. المهم أن طائر حجل مر بقرب الصياد، فسدد عليه وقتله.
قالت لمياء: وهرع الكلب إليه وأحضره؟
قال مجاهد: لا. الكلب أعجب بمهارة صاحبه، وصار يزغرد!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...