أنا الريّس... أنا الزعيم!

أنا الريّس... أنا الزعيم!

20 سبتمبر 2018
+ الخط -
"أنت لا تعرف ماذا أخذت يا سيادة الرئيس! أنت أخذت شعباً يعتقد كل مَن فيه أنه سياسي، ويعتقد خمسون في المئة من ناسه أنهم زعماء، ويعتقد 25 في المئة منهم أنهم أنبياء، بينما يعتقد عشرة في المئة على الأقل أنهم آلهة"!

نضحك أو ربما نبكي عندما نتذكر هذه الكلمة للرئيس شكري القوتلي وهو يتنازل عن حكم سورية عند إتمام الوحدة مع مصر وتسليمه حكم سورية لعبد الناصر. ليست مشكلتنا أن يرى الكل أنهم زعماء وسياسيون فيما أرى إن كان الكل يستأهل ويستحق الزعامة.

لكن تجليات هذه المشكلة بتنا نراها بوضوح أكبر بعد هدم الصنم، صنم الزعيم الخالد وقيام الثورة السورية.

فرحْنَا ابتداءً أن الثورة حطمت صنم زعامة الخالد لتحرير البلد، دون أن نتوقع أن كسر الصنم يكسر معه القوقعة ليخرج كل الزعماء، أو لينطلق الشعب كله زعماء؛ فالمثقف لا يرى العامي الذي انطلق قبله في الثورة أهلاً لقيادة الثورة، ولا العامي يثق بالمثقف الذي تخلف عنه في البداية. والعسكري المنشق يرى نفسه مظلوماً مع مدنيين تزعموا العمل العسكري، والمدني القائد يرى المنشق غير ثقة للقيادة لأنه (تربية الأسد) كما يقول. والسياسي الذي في الخارج يرى نفسه المؤهل للعمل السياسي لخبرته وتجربته ومعرفته بالدول والأنظمة طيلة عقود من إقامته مختاراً أو مضطراً خارج البلد، و(محترف السياسة) في الداخل يرى المقيم خارج سورية غير مأمون في علاقاته مع الأجهزة والدول ولا يعرف الواقع كونه خارج البلد منذ سنوات.


تأسست منظمات وجمعيات وهيئات خيرية تصدر الشيوخ والتجار قيادتها فهم من بدؤوا دعم الثورة من جيوبهم وخاصة أموالهم فهم الْيَوْمَ أكثر الناس أهليةً لقيادتها وهم يعطون ولا يأخذون!! كلّا؛ إنهم سبب البلاء فهم يعطون ليأخذوا، يشترون الناس بمالٍ ليس منهم، فيشترطون فلاناً من أقاربهم قائداً وفلاناً خازناً وفلانةً مديرةً، ليس عندهم حسابات أو سياسات ولوائح ناظمة؛ فلا بد من المأسسة والنظام وليذهب كل أولئك إلى بيوتهم لننظر يُهدى لهم أم لا!

فمن هو الزعيم؟ من الذي يتفق عليه أكثر السوريين -وليس كلهم- سياسياً أو عسكرياً أو إنسانياً؟؟

قد يكون الجواب مخجلا: لا أحد!
نعم؛ لا أحد يتفق عليه السوريون من معارضي الأسد حتى اليوم، ولا قائد يُجمعون عليه في حياته، فإن مات أو قُتِل أو استُشهد بكاه الجميع وكأنهم كانوا بايعوه قائداً للثورة ثم غدر بهم الموت فخلص إليه من بينهم!

"لا مشكلة؛ أقبل بانتخابات، لكن من ينتخبني يبقى في الفصيل، ومن لا يخرج عنا!".. إنها ليست رواية، بل كلمة لقائد فصيل كبير يومها حضرت اجتماع قيادته وصارحه واحد من قيادة الفصيل معه أن البعض لا يريده قائداً ويريدون الأمر بالانتخاب!

من يُبتلَ بالنظر في تاريخنا القديم يجد أشد من هذا في الزعماء؛ فقائد حِميري يروى أنه كان يخلع أكتاف معارضيه! وقائد كان يشترط ألا تُهدى عروس لزوجها حتى يفترعها قبله! وقائد من المناذرة يبتدع يوماً للنعمة لا يطلع عليه فيه رجل إلا أكرمه ويوماً للبؤس لا يطلع عليه فيه أحد إلا قتله! وقائد أبرش لا يرى أحداً أهلاً لمنادمته والسهر معه فيسهر وحده يشرب كأساً ويهرق كأساً أخرى في الأرض يزعمها للقمر! ناهيك عمن قتل أباه أو أخاه أو مولاه طمعاً بالسلطة أو المال!

ليس هذا افتراء على تاريخنا في الجاهلية، لكن الحق يقال: إنها لوثة أكبر من تاريخنا الحاضر، وأوسع من أن يُرمى بها السوريون وحدهم؛ فالجميع فيه منه خير وبركة!

وأكرر أن المشكلة ليست في الزعامة وحب التصدر، بل فيمن يستحقها وكيف يكون فيها. بل أغامر فأقول: نحن بأمس الحاجة لتنشئة زعماء، لكن عن جدارة.

بداية عام 2000 كان لنا صديق مثقف حالم سألَنا وكنّا طلبةً جامعيين: لا يعجبكم حكم هؤلاء البعثيين؟ صحيح، لكن أسألكم: لو أن هذا النظام اندثر اليوم بأكمله هل نقدر أن نقوم بالبلد؟ كم فينا من مهندس يصلح مديراً عاماً؟! وكم فينا من أكاديمي نزيه يصلح وزيراً؟! وكم فينا من عسكري شريف يكون قائداً عسكرياً يقود الجيش ويحمي حدود البلد؟! وكم فينا من شخص يصلح قائداً للبلد؟!

لم نعرف قسوة الأجوبة إلا بعد أنهارٍ من الدم جرت خلال سنوات، وبعد فشل عسكري لا يقل عنه الفشل السياسي، وليس عنهما ببعيد في العمل الإنساني عامة!

نعم؛ نحن بحاجة لتأسيس قادة للدولة وللمجتمع، قادة يكونون مؤهلين للقيادة، ترى فيهم الأمة مخرجاً لها من التيه الذي نتخبط اليوم فيه، فلن ينفعنا فرحنا بانتصار أردوغان في تركيا أو مهاتير محمد في ماليزيا؛ بل ما ينفعنا أن نسأل أنفسنا: ماذا عملنا ليكون عندنا مثل أردوغان ومهاتير؟ هل هبطا من الجنة؟، كلا؛ بل أردوغان ابن تركيا البارّ وُلد فيها ولها، درس وعاش وناضل وسُجن، فلم يتصدر زعيماً هكذا بالقبضة العثمانية! ومهاتير محمد زار يوماً دمشق قبل الأسد فتمنى أن تصل كوالالمبور لمستواها، فنهض بماليزيا وارتقى أيام جرّ الأسد سورية عقوداً للوراء، ولما أن أحسّ أن ما بناه من نهضة في خطر قفز للأمام وهو ابن التسعين لينقذ بلده، وقد فعل!

لا يكفي أن ننظر في صورة الرئيس أردوغان اليوم؛ بل يجب أن نتمعن جيداً كيف نشأ وتعلم وجاهدَ حتى وصل لزعامة تركيا التي منذ سنوات قريبة حكمت عليه بالسجن لكلمات قالها وحرمت بناته من الدراسة في جامعاتها لحجابهنّ.

نحن بأمس الحاجة للنظر في تاريخ العظماء قبل تصدّرهم؛ فالنظر في الثمرة فحسب يزيغ البصر ويورث التعجل لقطف الثمرة، ولا نشعر أنها حصرم إلا بعد أكلها وكنا نحسبها زبيباً مع أنه قيل قديماً تحذيراً لنا وتنبيهاً: تزبب قبل أن يتحصرم؛ فلا يكون الزبيب الحلو إلا بعد حموضة الحصرم!

إن الحل في التربية والتعليم؛ ليس بالتعليم وحده دون تربية صحيحة أصيلة، لنخرج بقادة دولة ومجتمع وليس بخريجي جامعات وحسب.

إننا بأمس الحاجة للثقة بأنفسنا أولاً وبأبنائنا، ليخرج لنا منهم قادة عظماء كالطيب ومهاتير، وليخرج بعدها من يرى نفسه أهلاً وليقل: أنا الريّس، أنا الزعيم!

ولن نملك إلا أن نقول له عن قناعة: سِرْ ونحن من ورائك؛ فإنك لو خضت بنا البحر لخضناه معك.
FF42C82E-9059-442A-8E7C-BF37B4B60BBB
ياسين عبد الله جمول

دكتوراة في اللغة العربية وآدابها، محقق وباحث مدقق في كتب التراث لبعض دور النشر، مشرف مدرسة سورية في تركيا، مدير جمعية تعليم خيرية لتعليم الأطفال السوريين، رسالتي للماجستير مطبوعة مع أبحاث علمية وكتابات أدبية وسياسية منشورة.الحياة مدرسة يتعلم منها الإنسان ما لا يتعلمه في مدرسته وجامعته مهما علت درجته العلمية، فعلينا أن نعي جيدا عن الحياة دروسها ونعرف أسباب النجاح فيها، لننجح، كما نهتم في المدرسة بما يضمن نجاحنا في صفوفها حتى التخرج.