أبو الجود يحب الممرضات الجميلات

أبو الجود يحب الممرضات الجميلات

20 سبتمبر 2018
+ الخط -
كان الدكتور ماجد لا يكف عن الضحك والمزاح مع عبد الجواد، وكلاهما يتذكر فصولاً ومواقف مشتركة بينهما أيام المدرسة الإعدادية. ولكن الخوف تَمَلَّكَ الدكتور ماجد على صديقه، فتوقف عن المزاح، وطلب من ممرضات قسم العناية المركزة أن يلحقن به في غرفته حالاً.

فلما حضرن، أغلق الباب، وقال لهن:
- هذا المريض "عبد الجواد" صديق عمري، هو أكثر من أخ بالنسبة لي. والتحاليل الخاصة به ليست جيدة، بل إنها خطيرة عليه، فالكوليسترول يبلغ 350، والشحوم الثلاثية في دمه تصل إلى 500 ملغرام. وهذا ناجم عن إفراطه في تناول المعجنات والسكريات واللحوم الحمراء.. الآن سأعطيكن فرصة ثلاثة أيام، تعتنين به وبطعامه خلالها، وتعطينه الأدوية في مواعيدها. بعد ثلاثة أيام سنعيد التحاليل لنرى كل شيء قد عاد إلى وضعه الطبيعي. اتفقنا؟
أجبنه بصوت واحد: اتفقنا.

ولكن، يبدو أن عنصر "المزاح" أبى أن يغيب عن هذه الحالة، فبعد الأيام الثلاثة التي حددها الدكتور ماجد أعيدت التحاليل، كانت النتيجة صورة طبق الأصل عن التحاليل السابقة مع ارتفاع في نسبة الكوليسترول ليبلغ 360.


غضب الدكتور ماجد، ورفع صوته على الممرضات، واتهمهن بالإهمال، وبأنهن لا ينفذن تعليماته كما يليق بهن أن يفعلن. تَدَخَّلَ أبو الجود في الموقف، وقال لماجد: تعال أقول لك كلمتين..

وحينما قَرَّبَ ماجد أذنه من فمه، قال أبو الجود:
- لا ذنب للممرضات، انقلني إلى غرفة أخرى. وأعد التجربة. ولا تسألني الآن عن السبب، إذا بقيتُ أنا على قيد الحياة وخرجتُ من هنا سالماً سأحكي لك ما جرى معي بكل أمانة.

بعد حوالي شهرين جمعتنا المصادفة في "مقهى حمشدو"، بحضور الدكتور ماجد و"أبو الجود" الذي تجاوز الأزمة الصحية، وعاد إلينا سالماً معافى. قال الدكتور ماجد:
- لازم تحكي لنا يا أبو الجود أيش صار معك حتى بقيت الشحوم مرتفعة لديك، وكذلك الكوليسترول.

قال أبو الجود موجهاً كلامه لنا:
- بعدما أعطى ماجدْ تعليماتُه للممرضات وغادر المكانْ، أحضرتْ لي واحدة منهن وعاءْ فيه شوربة مصنوعة من الخضار المسلوقة، وهي بلا ملح وبلا بهارات، وما في خبز مع الطعام. وأنا، متلما بتعرفوا، باكل أكتر من دابة خيل، وعندما أيقنتُ أني جائع لا محالة، استلقيت على التخت وصرت أنظر للسقف وأنا حزين.

فجأة دخل علي رجلْ من الجانب الثاني لجناح العناية المركزة، وهو يسحب العمودْ الخاص بالسيروم بيده. كان مبتسمْ، وجهه متوردْ، ومن دون إحم أو دستور قال لي: بتاكل كبة مشوية؟
من دون يمين أنا انصرعتْ. قلت له: أنت تمزح! قال لي: لا والله ما عم أمزح. في أقراص كبة مشوية، ودعابيل كبة مقلية محشوة باللحم والصنوبر والجوز. تأكل؟

وقفت مثل النمر، سحبت عمود السيروم ومشيت وراءه. بالفعل كان عنده في الغرفة كمية كبيرة من الكبب مع اللبن الخاثر العيران ومخلل الفليفلة. أكلنا ما لا يحسب الحاسب، وأثناء ذلك سألته: من أين؟ فأخبرني أن زوجته وأولاده جاؤوا من القرية لزيارته ومعهم هذه الأطعمة، وأن ابنه الكبير -الله يرضى عليه- دفع رشوة لرئيس قسم العناية المركزة حتى سمح له بإدخال الأطعمة.

وقال لي بعد أن انتهينا من البلع: امرأتي وأولادي سيأتون لزيارتي غداً. إذا في بنفسك نوع معين من الطعام قل لي وأنا أوصيهم عليه.
قلت له: عندك مانع أن نوصيهم على أكلة باتجا ومقادم وسندوانات؟

المهم في الموضوع أمضينا ثلاثة أيام ونحن نتناول أطايب الطعام، وما حدا ضايقني وأزعجني غير هذا الدكتور البخيل ماجد الذي أمر الممرضات يقدمن لي شوربة خضار بلا لحم وبلا توابل وبلا ملح! كان قصده يجوعني، ولكن خاب ظنه والحمد لله!

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...