نحس أبو الجود الأصلي

نحس أبو الجود الأصلي

02 سبتمبر 2018
+ الخط -
في مجلسنا بـ مقهى الريحاني الذي يتوسط ساحة البازار في مدينة إدلب، تحت مبنى "نقابة المعلمين" القديمة، طرحنا على "أبو الجود" فكرة الزواج بشكل جدي. كان يومئذ في السادسة والثلاثين من عمره..

قال له الأستاذ كمال ما معناه إن الإنسان لا يجوز أن يتأخر في الزواج، يعني، يا أخي، متى يتزوج الإنسان؟ ومتى يربي أولاده؟ ومتى يزوجهم؟ ومتى يرى أحفاده؟ وأضاف كمال موضحاً أن تأسيس الأسرة على نحو متأخر يعني أن تقل كفاءة الرجل في تأمين شؤون عياله، والرجل المتزوج يجب أن يكون صبوراً مثل البعير، وقادراً على الحمل والنقل مثل البغل، ومع تقدمه في السن يصبح أقل مقدرة على الصبر والحمل والنقل فيصبح شيئاً قليل الفائدة، إلا في مجال الكلام، ولذلك هو يتكلم ولا يوجد أحد يرد عليه.


قال أبو الجود: برأيك يعني غلط الواحد يتزوج وهو في سن الـ 17 سنة؟
قال: طبعاً غلط. وهل الزواج لعب أولاد؟
قال أبو الجود: سواء أكان لعب عيال أو لعب سعادين، أنا والله لو عاد الأمر لي لتزوجت وأنا في سنة الـ 17.. ولكن يا أخي هناك مشكلة واحدة لا أستطيع أن أتجاوزها، ولا يستطيع أحد مساعدتي في حلها.
سألته: ما هي؟
قال أبو الجود: هي أنه لا يوجد أحد مستعد أن يزوج ابنته ببلاش، كلهم يريدون لها مهراً، وإن كان هناك أناس يرضون بمهر قليل، وغير مبالَغ به، فهؤلاء يضعون شرطاً أصعب من شرط المهر بكثير، وهو أنهم يريدون لابنتهم عريساً ذا ذمة نظيفة، يعني ليس مديوناً لأحد بأي مبلغ..
سكت قليلاً ثم قال: المشكلة أنني لم أبدأ حياتي من الصفر.
قال له أبو عبود مندهشاً: أنت لم تبدأ من الصفر؟
قال أبو الجود: طبعاً، ومعظمكم تعرفون أنني بدأت حياتي (من تحت الصفر)!. وهذا الموضوع له قصة مسلية، وبما أنكم تتركون بيوتكم وتأتون إلى المقهى لكي تتسلوا، وتقطعوا الوقت فأنا جاهز لأن أحكيها لكم.
قلنا له: تفضل.

فحكى لنا كيف أنه اجتمع مع والدته وشقيقته في اليوم الرابع لوفاة والده، فأحضرت الوالدة مغلفاً مختوماً مكتوباً بخط والده (يفتح بيد ولدي عبد الجواد بعد الوفاة).. فسارع لفتحه معتقداً أن لدى والده مبلغاً كان قد ادخره لغدرات الزمان.. ولكن ظنه خاب كالعادة، إذ وجد فيه قائمة بالديون المترتبة على الوالد، مع ملاحظات هامة بجوار كل اسم ومنها:
* 120 ليرة لأبو أحمد الدكنجي.. هذا رجل فقير يا ابني يا عبد الجواد، ادفع له قبل الآخرين
* 200 ليرة لابراهيم آغا.. هذا مريش (يعني: غني) بإمكانك أن تأخره
* 100 ليرة لأبو ندور، هذا رجل نصاب، وفيته دينه، ولكنه حلف يميناً على المصحف بأنني لم أوفه. يمكنك أن تؤجله..
وهكذا..
ضحكنا. وقال كمال:
- نفهم من هذا الحكي أنك لا تريد أن تتزوج لأنك بدأت من تحت الصفر وعليك ديون موروثة من الوالد؟
قال: القصة مو هيك، بصراحة أنا أريد أن أتزوج لكن بشرط أن تقبل بي العروس على علاتي!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...