عندما أصيب أبو الجود بالجلطة

عندما أصيب أبو الجود بالجلطة

18 سبتمبر 2018
+ الخط -
حدثني أبو الجود عن المرض الذي أصيب به في سنة 1986 واضطره لدخول المشفى الحكومي بإدلب. قال لي: عندما عرفت خالتي "فريدة" بما حصل لي جاءت إلى المشفى بسرعة البرق، وبدأت تحوص وتذهب من غرفة إلى غرفة، وكلما رأت طبيباً أو ممرضة أو حتى مريضاً تستوقفه وتسأله عني، حتى اهتدت، أخيراً إلى مكان وجودي.

كان أحد الأطباء المقيمين ينظر إلى الملف الخاص بي، وثلاث ممرضات جميلات يقفن حوله، ويساعدنه في إجراء الفحوص اللازمة، وإذا بخالتي تهجم على الطبيب، خالتي مثل القضاء المستعجل، وهي تقول:

- يقبرني عبد الجواد، ويلحدني، ويهيل علي التراب، أيش طلع معه مرض؟
قال لها: يا أختي وطي صوتك لا تزعجي المرضانين.

قالت له: مرضانين؟ يعني ابن أختي مو مرضان؟ ولكن أنتم هكذا دائماً تعاملون الناس بالتفرقة على مبدأ (خيار وفقوس)..

ابتعد الطبيب المقيم عني قليلاً فوجدت خالتي الفرصة سانحة، هجمت علي لتبوسني، فأدى ذلك إلى وقوع عمود السيروم على الأرض، وانسحبت الإبرة من وريدي، وكان هناك كأس ماء ممتلئ على التربيزة اندلق على الأرض، وداست خالتي على البقعة المبللة بالماء، وتزحلقت، ولولا ستر الله لانكسرت ساقها وسطحوها على السرير الثاني الموجود في الغرفة!

زفر الطبيب المقيم وقال للممرضة:
- كيف سمحتوا لهاي المرأة أن تدخل إلى غرفة العناية المركزة؟ لازم يكون هون في هدوء تام، ما بتعرفوا أن المريض عبد الجواد معه "احتشاء في عضلة القلب"؟
التقطت خالتي الفكرة وقالت: احتشاء؟ يعني جلطة. ولي على قامتك يا فريدة، ابن أختي عبد الجواد معه جلطة. بكرة بيموت وبينحرق قلبي عليه، يقبرني.. إهي إهي إهي..

بصعوبة بالغة استطاعت الممرضات إخراج خالتي من الغرفة، وبعد قليل حضر الدكتور "ماجد"، وهو صديقي القديم، وزميلي في أيام المدرسة الإعدادية الذي تابع دراسته حتى أصبح طبيباً مختصاً بأمراض القلب، بينما عترست أنا عند المرحلة الإعدادية.. وقال لي ممازحاً:
- أشو يا خاي؟ صاير معك احتشاء؟
قلت له: وطي صوتك لا تسمعك خالتي. قول (جلطة).
ضحك وقال: متلما بتريد أنت وخالتك.. جلطة. ورفع صوته لتسمعه خالتي التي أصبحت وراء الباب المغلق: معه جلطة، جلطة.

أكثر شيء يحبه الدكتور ماجد في الحياة هو أن يمازحني. ويبدو أنه أراد أن يستخدم المزاح والضحك ليجعل نفسيتي تتحسن. قال لي وهو يقيس ضغطي، ويتفحص نتائج الفحوص الإسعافية:
- يا أبو الجود، الحقيقة لو أن المريض واحد من أصدقائك، لقلنا إنك أنت الذي (جلطته)، لأنك، ما شاء الله، قادر على أن تجلط قبيلة كاملة.. وإذا كانت الجلطة الخاصة بك ناجمة عن الإفراط في تناول الطعام، فسيكون لنا معك كلام آخر.

قلت له: ما هو الكلام الآخر؟
قال: ما رح أقول لك الآن. لننتظر حتى نطمئن عليك.

في اليوم التالي ظهرت نتائج تحليل الدم، وكان هناك ارتفاع كبير في الشحوم الثلاثية والكوليسترول. جاء الدكتور ماجد، قرأ التحليل وقال لي:
- مثلما توقعنا. مرضك ناجم عن الإفراط في الطعام. أتعرف ماذا يقول المثل في مثل حالتك؟
قلت: أعرف يقول المثل (الدابة التي تموت من الطعام الله لا يرحمها)!
ضحك وقال: أحلى شي أنك تعترف بجرائمك الغذائية. أي والله أهلين.

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...