لماذا أمي أيها الموت؟

لماذا أمي أيها الموت؟

17 سبتمبر 2018
+ الخط -
بعد ساعات من الآن سيدق عقرب عمري ساعة الجدار ليوقظ فيّ ذكرى رحيل المرأة التي لا تُعاد، كلّ شيء يجرح، القلب ممزق كأولى صوري في الاستوديو التي حوّلتها الجرذان إلى شظايا.

أبتسم في الوجوه ولا أحد يعلم كم هو موجع استحضار صورة المرأة التي عاشت وماتت في سبيلي، لا أحد يعلم سبب ارتباطي الحميمي بأميّ التي لا تخلو رائحتها من نصوصي وهوائي، لن يحدث شيء بعد الآن.

مرت سبعة أشهر وتسعة وعشرون يوماً على عناقنا الأخير يا أمي ولا أحد يفهم سرّي الغريب. قبل البارحة، حلمت أنك وقفت تستقبلينني في المطار، كنّا أنا وأنت وحدنا، ولا أحد فهم لماذا كنّا نضحك! لا أحد علم هل كنّا نودع بعضنا أم نتعانق بعد غيابك الطويل! ضحكنا ومشينا طويلاً، ثم استيقظت مذعوراً، واختنقت.


زرتك يوم عدت من ورزازات في قبرك ببوكيدان، قرأت اسمك المحفور باللون الأسود الفاحم على شاهدة قبرك بصوت مسموع، رأيتك نائمة تحت التراب، مبتسمة كما رحلت، وكنتُ أحدثك بصدق كما لم أفعل من قبل.

أنا واثق من أنك سمعت كلّ شيء، ما زلت كما عرفتني: أليس كذلك؟ لا لا تغيرت أمور كثيرة، بيتنا نظيف جدّاً، لكنّ لا أحد يسكنه، وشاحك الأبيض لففته في كيس شفاف وحملته معي في الحقيبة يوم سافرت إلى تطوان، صورة جواز سفرك وضعتها وسط حافظة أوراقي الثبوتية، كلمّا فتحتها لأسحب بطاقة تعريفي الوطنية وأمنحها لرجال الأمن في حواجز التفتيش لأثبت لهم أني حقا أنا، أراك فأبتسم، وأقول: لقد تغيرت أمور كثيرة يا أمي، مما تغير أنني أبتسم حزناً حين أراك.

بعد ساعات من الآن، سأشعل شموعاً وأثبتها على حواف سريري وأرشّ وشاحك بماء الورد، ثم أحلق ذقني وألبس حذائي الجديد، وأجلس لأناديك باسمك يا سيدة قلبي وعمري التي لن تعود.

يا عالية حضنتني عند آخر البحر ولا أحد علم لماذا كنت تذرفين الدموع حينها، إني ممزق يا أمي، لا أعرف كيف أرثيك، عندما تجتاحني الرغبة لأكتب لك، أخشى من أن تخونني اللغة وأضيع وسط زحمة الأفكار التي تصاحبني في يقظتي وهذياني، فأكتفي بسؤالي: لماذا أمّي أيها الموت؟

عيناي متورمتان حمراوان كالطفل الذي عانقته عند آخر البحر تماماً، يا أمي..

دلالات

52A7C077-30C2-4027-8C86-4C46EB3981D4
يوسف البرودي

من مواليد مدينة الحسيمة شمال المغرب. أتابع الدراسة في سلك الماستر تخصص الحكامة.

مدونات أخرى